أما المؤمنين فوصاياه لهم كثيرة منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَن يَّفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ - وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: ٩، ١٠].
وأحيانًا نجد الخطاب جامعًا بين لهجة النصح ولهجة الإشفاق والحنو، التي يُشعر الله فيها عباده المؤمنين بمدى حبه لهم، وخوفه عليهم من الحساب في الآخرة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ} [لقمان: ٣٣].
{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ} [الشورى: ٤٧].
[التوجيه غير المباشر]
ولعلمه سبحانه بطبيعة نفوسنا، وصعوبة قبولها النقد والتوجيه المباشر، كانت توجيهاته سبحانه غاية في التلطف والتوجيه الغير مباشر، وإن أردت أن تتأكد من ذلك بنفسك - أخي القارئ- فما عليك إلا أن تقوم بإحصاء أوامره المباشرة في القرآن فستفاجأ أنها لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وفي المقابل تجد أن الله عز وجل كثيرًا ما يعرض لك أمرين ويبين سمات كل واحد منهما ثم يترك لك حرية الاختيار مثل قوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف: ٤٦] وقوله: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى: ٢٠].
وقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: ١١].
[مراعاة النفسية البشرية]
ومن أبرز صور مراعاة الخطاب الإلهي لطبيعة النفس البشرية عدم الإكثار من قوله «أنا» عند سرده لنعمه على عباده، وفضله الذي لا حدود له.
فالنفس لا تحب سماع هذه الكلمة بكثرة من الطرف الذي يخاطبها، ومع أن الله عز وجل هو الذي خلقنا من العدم، وأعطانا من النعم ما لا يُعد ولا يُحصى، وأن من حقه أن يحدثنا بضمير المتكلم «أنا» وهو يعرفنا بنفسه وبنعمه وبقيوميته وقدرته و ...
إلا أنه سبحانه لا يفعل ذلك، بل يتحدث عن نفسه - في غالب القرآن - بضمير الغائب «هو» {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: ٢٢].
{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ} [غافر: ١٣].
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: ٥].
فأي رب رءوف ودود حي كريم هو ربنا.