للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ربك- أخي- علمنا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كلمات نقولها حتى لا يصيبنا مكروه، ففي الحديث: «ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم- ثلاث مرات- فيضره شيء». (١)

وعند الخروج من المنزل ومواجهة أحداث الحياة أوصاك أن تقول: «بسم الله، توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. فيقال لك: كُفيت ووقيت وهُديت، وتنحى عنك الشيطان»(٢)

وتأمل معي هذه الوصية النبوية التي تقطر شفقة ورحمة إلهية:

«من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب». (٣)

ربك أوصاك على لسان نبيه بأن تميط الأذى عن الطريق كيلا يتسبب وجوده في إيذاء الناس؛ شفقة عليهم ورحمة بهم.

ولكي يشجعنا على تنفيذ هذا الأمر أعد مكافأة خاصة لمن يقوم بذلك, قال صلى الله عليه وسلم «كان على الطريق غصن شجرة يؤذي الناس فأماطها رجل فأُدخل الجنة» (٤)

فأي شفقة ورحمة تلك التي يغمرنا الله بها؟!

[رفع الحرج]

ومن مظاهر رحمة الله وشفقته بعباده رفع الحرج عنهم من خلال تخفيف العبادات عند مظنة وقوعهم في مشقة.

فالصلوات الخمس التي لا يستغرق أداؤها وقتا طويلا، والتي نستفيد نحن منها لتسكب داخلنا الطمأنينة، والسلام الداخلي، ومع ذلك، ففي وقت السفر، ومظنة التعب، فإنه سبحانه يخفف عن المسافرين عدد ركعات الصلوات الرباعية ليجعلها ركعتين، ويسمح لهم كذلك بالجمع بين الصلوات تخفيفًا عليهم، ورفعًا للحرج عنهم، مع العلم بأنه ليست كل الأسفار تسبب تعبًا ومشقة ولكنها الرحمة الإلهية التي تغمر الجميع {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥].

ولعلمه سبحانه بأن البعض قد يتحامل على نفسه ولا يأخذ بهذه الرخص فلقد أخبرنا على لسان نبيه بأنه- سبحانه- يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه. (٥)

ومن مظاهر رفع الحرج قوله صلى الله عليه وسلم: «وُضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». (٦)

ومنها كذلك: عدم محاسبتنا عما نحدث به أنفسنا من مخالفات- وما أكثرها- يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها، ما لم تتكلم به، أو تعمل به». (٧)

ومن مظاهر رفع الحرج أيضًا مراعاته سبحانه للحاجات الفطرية للناس وحالات الضعف البشري التي تعتريهم ومن ذلك قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة: ١٨٧].

ومنها السماح للناس وهم في رحلة الحج أن يبيعوا ويشتروا ويتزودوا بما يريدونه {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨].

[لا تنس أنك عبد]

إن العبد- أي عبد- من المفترض عليه أن يقوم بالتكاليف التي يطلبها منه سيده لمجرد أنه عبد، وأن هذا سيده، وليس له أيضًا أن يسأل عن سبب تكليف سيده له بذلك، ولا أن ينتظر أجرًا عليه، لأنه يخدمه بموجب أنه عبد عنده.


(١) صحيح، رواه الترمذي وأبو داود وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع (٥٦٢١).
(٢) انظر صحيح الجامع ح (٦٢٩٥).
(٣) رواه أبو داود (١٥١٨).
(٤) رواه ابن ماجة (٣٦٨٢) وصححه الألباني.
(٥) صحيح الجامع ح (١٨٨٥).
(٦) صحيح الجامع ح (٧١١).
(٧) صحيح الجامع ح (١٧٣٠).

<<  <   >  >>