للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هذه النفحات والهدايا: يوم عرفة .. فإن صمته أخي القارئ غُفر لك ذنوب عامين, عام سابق وعام لاحق، وإن استطعت أن تكون في أرض عرفة في هذا اليوم تستغفر ربك غُفرت كل ذنوبك، وأصبحت كيوم ولدتك أمك .. بلا ذنوب ولا خطايا.

وكذلك يوم عاشوراء فمن صامه غُفرت له ذنوب عام كامل.

والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما إذا ما اجتنبت الكبائر.

وفي شهر رمضان: الفريضة فيه بسبعين فريضة، والعبادة في ليلة القدر خير من عبادة ألف شهر.

فماذا تقول لمن يهديك كل هذه الهدايا بلا مقابل ينتظره؟!

«يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا».

قال بعضهم: ليس العَجَب من فقير يتودد، وإنما العجب من غني يتحبب.

يرضى بالحمد شكرًا

إن الحقيقة التي لا مرية فيها أن لله عز وجل هو الذي يطعمنا ويسقينا ويتولى جميع شئوننا بالإمداد والرعاية ولولاه ما كانت حياة.

والمفترض أن يكون المقابل الذي نؤديه لله عز وجل كشكر له على نعمه وإمداده المتواصل لنا: هو السجود المتواصل، والتسبيح المطلق كحال الكون كله وما فيه من مخلوقات {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: ٢٠].

ولكنه- سبحانه وتعالى- لم يطلب منا ذلك، بل طلب أعمالا يسيرة لا تستغرق منا وقتًا معتبرًا، ويكفيك في هذا قولهصلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة، أو يشرب الشربة، فيحمد الله عليها». (١)

بل إنه سبحانه وتعالى يعلي من شأن هذا الحمد كما قال صلى الله عليه وسلم «ما أنعم الله على عبد نعمة، فحمد الله عليها، إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة». (٢)

[رب شكور]

بلا شك أن الله عز وجل هو الذي يحبب إلينا فعل الخير، ويعيننا على القيام به، ويصرف عنا الشواغل، ويزيل العوائق، فلولاه سبحانه ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ} [الأعراف: ٤٣].

ومع ذلك فإننا نجده سبحانه يُعظِّم أعمالنا ويكبرها، ويشعرنا بأننا قد فعلنا شيئًا عظيمًا .. تأمل قوله لأهل الجنة {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: ٣٢].

أهذه الأعمال القليلة تستحق هذا الجزاء العظيم لو افترضنا أن أصحابها بالفعل قد قاموا بها دون إعانة من أحد؟ فما بالك والأمر غير ذلك، فالله عز وجل هو الذي وفقهم وأعانهم للقيام بها, ثم يقول لهم بعد ذلك وهم يتقلبون في صور النعيم في جنات الخلود: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا} [الإنسان: ٢٢].

تخيل لو أن رجلا غنيًا- واسع الثراء- له صديق فقير يحبه كثيرًا ويريد أن يساعده دون أن يجرح مشاعره، فهداه تفكيره إلى أن يطلب منه القيام ببعض الأعمال البسيطة الخاصة به، فلما قام بها أعطاه مقابل ذلك عطاء كبيرًا، ولم يكتف بذلك بل أشعره بأن ما قام به من أعمال قد عادت عليه بنفع كبير، وأنه مهما أعطاه فلن يستطيع أن يوفيه حقه، و ...

كل هذا ليقبل صديقه الفقير أعطيته بنفس راضية، على الرغم من أن هذا الفقير يعلم في قرارة نفسه أن هذا المقابل لا يتناسب بأي حال من الأحوال مع ما قام به من أعمال.

هذا تشبيه- مع الفارق- لما يستشعره أهل الجنة عندما يفاجئون بنعيم لا يمكن تخيله {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [فاطر: ٣٣].

فماذا يقولون بعد ذلك؟!


(١) رواه مسلم.
(٢) صحيح الجامع الصغير (٥٥٦٢).

<<  <   >  >>