للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويطمئنهم على إخوانهم الشهداء بأنهم في أحسن حال: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ - فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ - يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٦٩ - ١٧١].

[وفي النهاية]

وفي نهاية الحديث عن هذا المظهر العظيم من مظاهر حب الله لنا ولعباده أجمعين أتركك أخي القارئ مع هذا الحديث القدسي لكي تقرأه وتعيش معه بعقلك ومشاعرك:

«إني والجن والإنس في نبأ عظيم: أخلقُ ويُعبد غيري، وأُرزقُ ويُشكر سواي, خيري إلى العباد نازل وشرهم إليَّ صاعد. أتحبب إليهم بنعمي، وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليَّ بالمعاصي، وهم أفقر شيء إليَّ.

من أقبل إليَّ تلقيته من بعيد. ومن أعرض عني ناديته من قريب. ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد. ومن أراد رضاي أردت ما يريد. ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد.

أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل شكري أهل زيادتي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أُقنَّطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا إليَّ فأنا طبيبهم. أبتليهم بالمصائب، لأطهرهم من المعايب ... ».

* * *

عاشرًا: من مظاهر حب الله لك:

[ترغيبك وترهيبك]

ليس بخافٍ على أحد أن النفس البشرية إذا ما رُغَّبت في فعل شيء ما، وعلمت بما ينتظرها من جزاء حسن نظير قيامها بهذا الفعل فإنها تتشجع، وتقدم عليه بقدر ما تستثار فيها مشاعر الرغبة.

وفي المقابل فإنها إذا ما خُوَّفت، ورُهَّبت من القيام بفعل ما، وأن مكروهًا سيصيبها إذا ما فعلته، فإنها تُحجم عن القيام به بقدر ما ينسكب داخلها من خوف ورهبة.

هذه خاصية أصيلة من خصائص النفس البشرية, هذه الخاصية لها دور كبير في إقدام المرء على أداء العمل أو إحجامه عنه، ففي الحديث «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، إلا إن سلعة الله الجنة» (١).

ويعلق المناوي في فيض القدير على هذا الحديث فيقول:

فكل من خاف الردى أو فَوْت ما يتمنى لا يركن إلى الراحة ولا ينتظر الصباح، بل يبادر إلى الحركة والسفر ولو كان بالليل (٢).

[التربية الربانية]

ولأنه سبحانه هو الذي خلق فينا هذه الخاصية، فإنه يستخدم أسلوب الترغيب والترهيب في تربيتنا وتوجيهنا نحو المبادرة لفعل الخير واجتناب فعل الشر.

تأمل معي قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: ٥٩].

فالآية تدل دلالة واضحة على أن الله سبحانه وتعالى يخوفنا لنخاف ونترك طريق الضلال ونتجه نحو صراطه المستقيم فندخل الجنة.

انظر مثلا إلى قوله تعالى: {لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر: ١٦].

أرأيت صيغة الخطاب: ذلك الذي يخوف الله به عباده .. يا عباد فاتقون.

فمع أن الآية تتحدث عن النار وما فيها من عذاب، إلا أنها تحمل في طياتها دلالات عظيمة عن حب الله لعباده، وكيف لا ونحن نلمح فيها مناشدة من الله عز وجل لعباده بأن يخافوا، ويحذروا عقابه لأنه لا يريد لهم أن يدخلوا هذه النار.


(١) صيح، صحيح الألباني في صحيح الجامع ح (٦٢٣٢).
(٢) فيض القدير ٦/ ١٥٩.

<<  <   >  >>