وبعد غزوة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا - إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: ٩، ١٠].
* ثانيًا: رحلات الاعتبار
والمقصد من رحلات الاعتبار هو الذهاب إلى الأماكن التي يتواجد فيها أهل البلاء كالمستشفيات والملاجئ، ودور الأيتام وأصحاب الاحتياجات الخاصة، فهذه الرحلات لها دور كبير في إدراك حجم النعم العظيمة التي أمدنا الله بها وأغرقنا فيها.
وحبذا لو اصطحبنا في هذه الرحلات أهلنا وأولادنا ليدركوا معنا عظيم فضل الله.
* أخي , زر السجن يومًا لتعرف قيمة نعمة الحرية.
زر أقسام الحروق والكسور وأصحاب الحالات الحرجة لتدرك قيمة نعمة العافية.
أغمض عينيك وتفكر في صعوبة الحياة بدون أبصار.
تخيل نفسك، وأنت تشاهد الأخبار، مكان أصحاب المجاعات والزلازل والحروب والنكبات ثم ردد: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
ولا تنس أن تقول عند رؤية أهل البلاء: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا.
* ثالثًا: كثرة الحمد
حمد الله باللسان عمل صالح يحبه الله عز وجل، فعلينا أن نكثر منه.
ولكي يؤتي هذا الذكر ثماره المرجوة في تنمية المحبة لله في القلب، علينا أن نجتهد في مواطأة القلب اللسان وقت الذكر، أو بعبارة أخرى تجاوب المشاعر مع اللسان، والطريقة الميسرة لذلك أن نستفيد من الأوقات التي تستثار فيها مشاعر الحب لله عز وجل كوقت تذكر نعمه المختلفة، وجوانب رحمته ولطفه وشفقته بعباده، و عند رؤية أهل البلاء والنقص.
فعندما نجد انفعالا وجدانيًا وتأثرًا لمظهر من مظاهر حب الله لعباده، علينا أن نسارع بحمده سبحانه، فيواطئ اللسان القلب، فيزداد التأثير والانفعال، ومن ثم تزداد المحبة أكثر وأكثر.
وصيغ الحمد كثيرة علينا أن نختار منها ما يناسب حالتنا الشعورية.
والطريقة الثانية التي من شأنها أن تجعل الذكر نافعًا هي أن نجتهد قبل الذكر في استثارة مشاعر الحب من خلال التفكر في جوانب حب الله لعباده، فإذا ما تجاوب القلب، وانفعلت المشاعر بدأنا الذكر.
يقول الحسن البصري:
إن أهل العقل لم يزالوا يعودون بالذكر على الفكر، وبالفكر على الذكر حتى استنطقوا القلوب فنطقت بالحكمة (١).
* رابعًا: مناجاة الله بالنعم
من الأعمال الصالحة التي تورث المحبة والقرب من الله: مناجاته سبحانه بذكر نعمه التي أنعم بها علينا كما فعل إبراهيم - عليه السلام - في مناجاته لربه: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ" [إبراهيم: ٣٩].
فبعد إحصاء النعم، وبعد رحلات الاعتبار، وفي أوقات الخلوة به سبحانه علينا أن نناجيه ونتحدث إليه ونحمده على ما أنعم به علينا، وحبذا لو تضمنت هذه المناجاة النعم بصورة تفصيلية، وقد أحسن من قال في مناجاته:
أنت الذي صورتني وخلقتني وهديتني لشرائع الإيمان
أنت الذي علمتني ورحمتني وجعلت صدري واعي القرآن
أنت الذي أطعمتني وسقيتني بغير كسب يدٍ ولا دكان
وجبرتني وسترتني ونصرتني وغمرتني بالفضل والإحسان
أنت الذي آويتني وحبوتني وهديتني من حيرة الخذلان
وزرعت لي بين القلوب مودة والعطف منك برحمة وحنان
ونشرت لي في العالمين محاسنا وسترت عن أبصارهم عصياني
وجعلت ذكري في البرية شائعًا حتى جعلت جميعهم إخواني
(١) إحياء علوم الدين ٥/ ٦.