يتولى سبحانه أمر إبصارك بالعين، وسماعك بالأذن، ونطقك باللسان.
يمدك بالماء ويمكنك من شربه، ويمده بالقدرة على إروائك {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: ٢٢].
يتولى أمر إثمار الطعام بأنواعه لتجده أمامك في أي وقت تشاء {فَلْيَنظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ - أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا - ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا - فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا - وَعِنَبًا وَقَضْبًا - وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً - وَحَدَائِقَ غُلْبًا - وَفَاكِهَةً وَأَبًّا - مَتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [عبس: ٢٤ - ٣٢].
يوحي إليك فعل الخيرات ويحببها إليك، ويصرف عنك فعل المنكرات ويكرهك فيها.
يجعلك تنام لترتاح، ويتولى حفظك وأنت نائم، ثم هو الذي يوقظك ويرد إليك روحك.
قريب منك .. أقرب مما تتخيل، يجيب دعاءك إذا ناديته بصدق وطلبت منه حاجتك.
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: ١٨٦].
يحميك من نفسك ومن عدوك {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: ٣٦].
يحفظ لك أولادك وأهلك «اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل».
فماذا تقول لمن يفعل معك كل هذه الأمور وغيرها كل يوم ومنذ أن ولدت؟!
ماذا تقول لمن يطعمك ويسقيك وإذا مرضت فهو الذي يشفيك؟!
فلتردد معي قوله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله الذي يطُعمِ ولا يُطعمَ، منَّ علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد لله غير مودّع ربي، ولا مكافأ ولا مكفور ولا مستغني عنه، الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسا من العُري، وهدى من الضلالة، وبَصَّر من العَمي، وفضّل على كثير ممن خلق تفضيلا، الحمد لله رب العالمين» (١).
* * *
رابعًا: من مظاهر حبه لك:
[تسخير الكون لك]
الله عز وجل خلق الإنسان ليكون عبدًا له، وسيدا لما سواه، فلقد جعل الكون المحيط به مسخرًا لخدمته، يعمل من أجل راحته {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] {وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ} [الرحمن: ١٠].
انظر- مثلا- إلى السماء فستجد الشمس تتحرك حركة دائبة كل يوم من المشرق إلى المغرب، لم تخلد يومًا إلى الراحة، وكيف تفعل ذلك وتغيب عنا وهي مأمورة بإمدادنا بالضياء والطاقة؟
والقمر كذلك يتحرك حركة دائبة من أول يوم في الشهر العربي يكون فيه هلالاً يكبر يوما بعد يوم فيكون بدرًا يضيء السماء ثم يعود كما كان في نهاية الشهر فيساعدنا بذلك على معرفة الأيام والشهور {اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ - وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [إبراهيم: ٣٢ - ٣٣].
[أنت القائد]
أنت قائد هذا الكون أيها الإنسان، فكل ما فيه مسخر لخدمتك ..
انظر إلى جسمك وتأمل ما فيه من جوانب التسخير والخدمة لك أيها المكرم .. فعينك مُسخَّرة لترى بها ما حولك، ولسانك ما هو إلا خادم لك لتعبِّر من خلاله عما تريده، ويدك للبطش والكتابة، والتسبيح، ورجلك للحركة والذهاب إلى
حيث تشاء.
(١) أخرجه النسائي وابن السني والحاكم وابن حبان، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.