العاملين الباذلين المجاهدين المضحِّين، والمترف يصعب عليه ترك لذائذه ومحبوباته، ومن ثَمَّ يصعب عليه أ، يعمل عملاً قوياً مؤثراً في الحياة من حوله، لذلك كان لابد من نوع من الاخشيشان والتقلل من المباحث يربط المرء بالمعاني العلية ويخرجه من دائرة الالتزام اليوميّ بمحبوباته وشهواته ومراداته.
وهكذا كان السلف صدر الأمة رضي الله عنهم يخشوشنون أحياناً كثيرة ويتمتعون قليلاً، وما كانوا في تمتعهم - إذا تمتعوا - إلا أتقياء بزرة أنقياء، رضي الله تعالى عنهم.
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - على غاية من الاخشيشان لا يكاد يبلغه فيها أحد، هذا مع تمتعه في بعض الأوقات، وتناوله بعض اللذائذ والمباحات كما بيَّنت آنفاً.
هذا وقد كان قادراً - بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه - على أن يكون ملكاً نبياً، لكنه ارتضى معيشة الزهد والتقلل لانها أقرب إلى الكمال، وقد ساس أهله - صلى الله عليه وسلم - حتى ارتضوا تلك المعيشة، وخيَّرهن بين التوسع وفراقهن وبين الرضا بمعيشته - صلى الله عليه وسلم -، فارتضينه كلهن رضي الله تعالى عنهن.