ونوره، والأنس بالوحدة معه والخلوة إليه، وترتيل القرآن والكون ساكن، وكأنما هو يتنزل من الملأ الأعلى وتتجاوب به أرجاء الوجود في لحظة الترتيل بلا لفظ بشري ولا عبارة؛ واستقبال وإشاعاته وإيحاءاته وإيقاعاته في الليل الساجي .. إن هذا كله هو الزاد لاحتمال القول الثقيل، والعبء الباهظ والجهد المرير الذي ينتظر الرسول وينتظر من يدعو بهذه الدعوة في كل جيل! وينير القلب في الطريق الشاق الطويل، ويعصمه من وسوسة الشيطان، ومن التيه في الظلمات الحافة بهذا الطريق المنير.
(إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا).
(إن ناشئة الليل) هي ما ينسأ منه بعد العشاء؛ والآية تقول:(إن ناشئة الليل هي أشد وطئا) أي أجهد للبدن، (وأقوم قيلا): أي أثبت في الخير كما قال مجاهد، فإن مغالبة هتاف النوم وجاذبية الفراش، بعد كدِّ النهار أشد وطأً وأجهد للبدن؛ ولكنها إعلان لسيطرة الروح، واستجابة لدعوة الله، وإيثار للأنس به، ومن ثَمّ فإنها أقوم قيلاّ؛ لأن للذكر فيها حلاوته، وللصلاة فيها خشوعها، وللمناجاة فيها شفافيتها. وإنها لتسكب في القلب أنساً وراحة وشفافية ونوراً، قد لا يجدها في صلاة النهار وذكره، والله الذي خلق هذا القلب يعلم مداخله وأوتاره، ويعلم ما يتسرب إليه وما يوقع عليه، وأي الأوقات يكون فيها أكثر تفتحاً