الحمد لله منور البصائر، والعالم بمكنونات الضمائر، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، الهادي من شاء من عباده سواء السبيل، فأراه الحق حقًا ورزقه اتباعه، والباطل باطلاً ورزقه اجتنابه، وأرسل رسوله بالهدى ودين الحق، فما من شيء يقرب الناس إلى ربهم ويسعدهم في دينهم ودنياهم إلا بينه - صلى الله عليه وسلم - لأمته، وما من شيء يجرهم إلى الشقاء في الدنيا والآخرة ويبعدهم عن شرعه إلا حرمه عليهم وحذرهم منه، جاء بجلب المصالح ودرء المفاسد، فما كانت مصلحته أكثر من مفسدته شرعه لهم، وما كانت مفسدته ومضرته أكثر من مصلحته حرمه على أمته، وهذه سمة تجدها فيما شرع الله من أمر أو نهي، كما أنه شرع تقديم درء المفاسد على جلب المصالح، فسلك هذا المسلك علماء السلف ومن نوّر الله بصائرهم من علماء الأمة، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه، ومن سلك مسلكهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن عداوة الشيطان للإنسان قديمة ومستمرة، فقد آلى على نفسه وأقسم لربه أن يضل بني آدم، فقد قال:{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[الحجر: ٣٩، ٤٠]، وقال في آية أخرى:{فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص: ٨٢]، وقال: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا *