وقد انتصر بعض المتأخرين لرأي المجوزين، فاستدلوا بما يلي:
الدليل الأول:
إن الزواج ضرورة تدعو إليه الحاجة، ومن القواعد الشرعية أن الضرورات تبيح المحظورات.
الجواب:
أقول: ما ضابط الضرورات التي تبيح المحظورات؟ أهي الحاجة إلى الشيء خوفًا من الوقوع بضده؟ كلا ليس ذلك ضابط الضرورة، فالحاجة إلى الشيء منها ما يصل إلى درجة الضروري، ومنها ما يصل إلى درجة الحاجي، أو بعبارة أخرى منها ما هو ضروري، ومنها ما ليس بضروري. فضابط الضرورة التي تبيح المحظور هي ما يترتب على تركها ضياع الدين، أو النفس، أو العقل، أو المال، أو النسب، أو العرض، كالجوع الشديد الذي لا يمكن دفعه بأي وسيلة من الوسائل إلا بالأكل من الميتة، أو دفع غصة بالإنسان لا يمكن دفعها بأي وسيلة إلا بشربة مقدار ما يدفع الغصة من الخمر، أو إكراه على النطق بكلمة الكفر لا يمكن دفعه إلا بالنطق بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان. فهل يا ترى الزواج بنية الطلاق من هذا النوع؟ كلا، فإذا كان هو في حاجة إلى الزواج ومضطرًا إليه لماذا لا يتزوج بنية الدوام والاستمرار لا بنية الطلاق، ثم هو بعد ذلك بالخيار؛ لأن تكاليف الزواجين واحدة والمؤنة واحدة.