للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٨ - وصية جامعة لقاض من أي مذهب كان:

(وهذه الرتبة التي جعل الله إليها منتهى القضايا، وإنهاء الشكايا، ولا يكون صاحبها إلا من العلماء، الذين هم ورثة الأنبياء، ومتولي الأحكام الشرعية بها كما ورث عن نبي الله صلى الله عليه وسلم علمه، كذلك ورث حكمه؛ وقد أصبح بيده زمام الأحكام، وفصل القضاء الذي يعرض بعضه بعده على غيره من الحكام؛ وما منهم إلا من ينقد نقد الصيرفي، وينفذ حكمه نفاذ المشرفي؛ فليترو في أحكامه قبل إمضائها، وفي المحاكمات إليه قبل فصل قضائها

وليراجع الأمر مرة بعد مرة حتى يزول عنه الالتباس، ويعاود فيه بعد التأمل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس؛ وما أشكل عليه بعد ذلك فليجل ظلمه بالاستخاره، وليحل مشكلة بالاستشاره، ولا ير نقصا عليه إذا استشار قد أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالشورى، ومر من أول السلف من جعلها بينه وبين خطأ الاجتهاد سورا، فقد ينسخ للمرء ما أعيا غيره وقد أكثر فيه الدأب، ويتفطن الصغير لما لم يتفطن إليه الكبير كما فطن ابن عمر للنخلة وما منعه أن يتكلم إلا صغر سنه ولزوما مع من هو أكبر منه للأدب؛ ثم إذا وضح له الحق قضى به لمستحقه، وسجل له به واشهد على نفسه بثبوت حقهن وحكم له به حكما يسره يوم القيامة أن يراهن وإذا كتب له به ذكر بخير إذا بلي وبقى الدهر ما كتبت يداه. وليسوا بين تقسيم الخصوم حتى في تقسيم النظر، وليجعل كل عمله على الحق فيما أباح وما حظر؛ وليجد النظر في أمر الشهود حتى لا يدخل عليه زيف، وليتحر في استيداء الشهادات فرب قاض ذبح بغير سكين وشاهد قتل بغير سيف؛ ولا يقبل منهم إلا من عرف بالعداله، وألف منه أن يرى أوامر النفس أشد العدى له - وغير هؤلاء ممن لم تجر له

<<  <   >  >>