في مدينة مسورة: وهي مدينة تصرف عنها العين، وتصرف فيها العين؛ وقد أضحت غرة في وجه الدهماء، وأمست في الأرض أخت البلدة التي في السماء؛ قد شد بالسور على خصرها النطاق، ونجم بها طالع الأنجم النفاق؛ ذات أزقة وسيعة، وأدور فيها لمنازل الأقمار وديعة، قد فصلت منطقتها بالبروج، وفضلت على كل بلد حظ ساكنها منها الخروج.
في آثار دمنة: فأصبحت لا ترى إلا آثار مساكنها، ولا تروي إلا أخبار ساكنها؛ قد غدت أطلالا تجر عليها الرياح أذيالها، وتسرح فيها النعام رئالها؛ كأنها لم تكن ملعبا للحبائب، ولا مرأى للربائب؛ قد تجدلت تلك الجدران، وأوقدت بالجوانح ما أطفئ منها من النيران؛ وانتضى عليها البرق سيفه فخر ذلك البناء المشمخر، وضرخ في جنباتها جواد الرعد المسبطر؛ وفرطذلك العقد المنضد، وفصل ذلك العقد المعضد؛ فشكها في خيطه الغمام، وحل فيها عقد صبره