في البحر: والبحر سماء يمشي في مناكبها، ويمتطي كواهل كواكبها؛ أفلاكها الدائرة، فلكها السائرة؛ وملائكتها المسبحة بأسمائها، حيتانها السابحة في مائها؛ تنشأ منه السحائب، ويخرج الدر منه بين الصلب والترائب؛ تجري فيه السفن في موج كالجبال آياته لا
تحتجب، وكله عجب حتى ليس فيه عجب.
في تنكر البحر: وتنكر البحر بعد أصحابه، ونكر معروفه لأصحابه؛ وأقبل عليهم بوجه مكفهر قد قطبه، وخرق في جنب السفينة قد قطبه؛ والريح قد شرد باللجج شردها، والأمواج قد أحكم في التقدير سردها؛ وقد تزاحمت الأفواج، وتلاحمت الأمواج، وتلاطمت الحيتان بعضها ببعض، وقد كشفت الريح البحر حتى كادت تبين قرارة الأرض؛ والخوف متوقع، والموت منتظر ولكن أين حدث في البلقع.
في إصحاب البحر: وقد أصحب البحر بعد امتناع جانبه، وتلوي مجانبه، وتلوي مجانبه؛ وأصحب وكف؛ وغدت السفن كأنها سرر مرفوعة، والقلاع منشورة كأنما السماء بها مرقوعة؛ وقد لان من الرياح ما اخشوشن، وبان البحر لتكسر موجه كأنه لابس جوشن؛ وصفت سريرة مائه وكانت قد تكدرت تكدر الخب، وتسهلت عريكة ريحه، وكانت قد تعسرت عسر الحب. وهو الآن طيع العنان، حسن العيان، كيفما أخذت به أصحب، وانقاد بعدما كان قد استصعب.