- رضي الله عنه - حين استقرت له الخلافة، ومات أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - وسلم له ابنه الحسن، وخلا من المنازع، فوضع البريد لتسرع إليه أخبار بلاده من جميع أطرافها، فأمر بإحضار رجال من دهاقين الفرس وأهل أعمال الروم وعرفهم ما يريد، فوضعوا له البرد واتخذوا لها بغالا بأكف كان عليها سفر البريد.
وقيل: إنما فعل ذلك زمن عبد الملك بن مروان حين خلا وجهه من الخوارج عليه: كعمرو بن سعيد الأشدق، وعبد الله بن الزبير، ومصعب بن الزبير، والمختار بن أبي عبيد. وكان الوليد بن عبد الملك يحمل عليه الفسيفساء - وهو الفص المذهب - من القسطنطينية إلى دمشق، حتى صفح منه حيطان المسجد الجامع. ومساجد مكة والمدينة والقدس الشريف. ولم يبق الآن إلا ما هو بجامع دمشق في الصحن، وبقية بمكة في توسعة المهدي، قريب باب بني شيبة ودار العجلة، وإلى الآن به اسم المهدي، وبقية بقبة الصخرة؛ وأما باقيه فذهب.
ثم لم يزل البريد قائما، والعمل عليه دائما، حتى آن لبناء الدولة المروانية أن ينتقض،
ولحبلها أن ينتكثن فأنقطع ما بين خراسان والعراق، لانصراف الوجوه إلى الشيعة القائمة بالدولة العباسية. ودام الأمر على هذا حتى انقرضت أيام مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أمية، وملك السفاح ثم المنصور ثم المهدي والبردي لا يشد له سرج، ولا يلجم له دابة.
ثم إن المهدي أغزى ابنه هارون الرشيد الروم، وأحب أن يزال على علم قريب من خبره، فرتب ما بينه وبين معسكر ابنه بردا كانت تأتيه بأخباره، وتريه متجددات أيامه؛ فلما قفل الرشيد قطع المهدي تلك البرد؛ ودام الأمر على هذا باقي