أعالي الحدب المعروف بحدب غزة. ثم لا منور ولا إخبار بلسان النار إلا على الجناح والبريد.
ثم اعلم أن من جميع ما ذكرناه مناور تتشعب إلى ما خرج عن جادة الطريق إلى البلاد الآخذة على جنب جنوبا وشمالا وشرقا وغربا. فأما هذه المناور الآن فرسوم قد عفت، وجسوم أكلت شعل النار أرواحها فانطفت؛ والحمد لله على أمن إطفاء نارها؛ وإخفاء منارها.
وأما المحرقات: فقد كان الاهتمام بها أول شيء؛ وهي مواضع مما يلي بلادنا من حد الشرق داخلة في تلك المملكة، كان يجهز رجال لتحرق زرعها ونباتها؛ وهي أراض مخصبة كانت تقوم بكفاية خيل القوم مرعى إذا قصدوا البلاد، فكانت تحرق إضعافا لهم وإقعادا لحركاتهم، إذ كانوا من عادتهم لا يتكلفون علوفة لخيلهم، بل يكلونها إلى ما تنبت الأرض: فإذا كانت أرضا مخصبة سلكوها، وإذا كانت مجد تجنبوها. وكانوا لا يفطنون لقصد حريقها، ثم فطنهم أهل المداجاة، فصاروا يربطون عليها الطريق؛ ويمسكون منها بالأطراف، وقتل عديد بسببها، وأحرقوا بأشد من نارها. ولكن ينفق في هذه المحرقات في كل سنة من الخزانة بدمشق جمل من الأموال، ويجهز فيها أجلاد الرجال. وكان شأنهم في الإحراق استصحاب الثعالب الوحشية والكلاب المنفرة، ثم يكمن المجهزون لذلك عند أمناء النصاح وفي كهوف الجبال وبطون الأودية؛ وتمضي الأيام حتى يكون يوم ريحه عاصف وهواؤه زعزع، تعلق النار موثوقة في أذناب الثعالب والكلاب، ثم تطلق الثعالب، والكلاب في أثرها وقد جوعت، فتجد الثعالب في الهرب، والكلاب في الطلب، فتحرق ما مرت به من الزرع والنبات، وتعلق الريح النار منه فيما جاوره، هذا إلى ما كانت تلقيه الرجال بأيديها في الليالي المظلمة، وعشايا الأيام المعتمة. وكان أصحابنا يجدون في هذا رفقا ودفعا عن مباغتة الأطراف ومهاجمة الثغور.