لما يصب منها من صوائب نبل قد بريت فيها السهام بري القداح، وريشت لصيد ما لا تصيده ذوات الجناح؛ ووصلت من النصول بكل مشتد العقب، قوي العصب؛ مرهف الصقال، مخوف الصيال؛ تقع حيث وقع، وإذا فاضت السيوف غدرانا بلت منه نقع؛ يصل إلى ما لو تطاول إليه الرمح للبب به معتقله، أو جال في خاطر السيف لضرب به ضاربه وقيد به صيقله؛ لا يتكشف ضلله إذا تجلى القتام، ولا تعيا حيله إذا أدرعت الفوارس لرد السهام؛ بلاء منزل، وقضاء مرسل؛ وحتف عاجل لا يلقاه إلا حائن، وضر بين ولهذا لا تزال تتشكى الكنائن.
في قوس البندق ويسمى الجلاهق: وبرز إلى مصارع الطير ومعه من قسي البندق كل صائلة بالحين، صائبة بالعين؛ قد تلفعت بالحرير، وتوشعت بالحبير؛ ولبست مثل حلل الربيع، وسلبت من ريش الطير المختلف الألوان ما ظهر عليها حسنه البديع؛ وقد تعقفت رؤوسها كأنها جيمات الأصداغ، وتدبجت قموصها فكأنها تعلمت من السماء حسن الأصباغ؛ وأوترت من الأوتار بما طلبت مثله من الطيور، وأسبلت عليها أزر مكداناتها لأن الحسناء لا يحسن بها السفور، قد أصمت ببندقها، ورمت الطيور من أفقها؛ وأصبح في يد قبضتها كل محلق بجناحه، ومخلق بدمه وجه مسائه أو صباحه، تمد من مقره بندقها في الوتر شبكا، وتزمجر ولا ترثي لمن شكا؛ ترمي الطير منها أمثال الأبابيل، ويمسك بوعدها في أخذ كل ما سنح في الجو لا كما يمسك الماء الغرابيل.