فأما قوله: وساهور فلا يخلو من أن يكون معطوفاً على قمر، أو يكون قوله: ساهور اسئنافاً، فلا يجوز أن يكون معطوفاً على قمر، على حد قولك: خيبك
درهم ودينار؛ ألا ترى أن الساهور ليس بخبى للقمر، ولا منه في شيء، إنما الساهور ظل الأرض، الذي يكسف القمر، بستره ضياء الشمس عن القمر، وضياءه عنها، والساهور، فاعول من الساهرة، التي هي الأرض، وقد قيل: إن الساهر الذي هو خلاف الراقد مأخوذ من ذلك؛ لن الساهر لايقصد الأرض، وهذا عندي على غير قياس؛ لأن الساهر ينبغي أن يكون الجانح إلى الأرض، لا المتجافي عنها، كما قال:
وصاحب نبَّهته لينهضا ... إذا الكرى في عينه تمضمضا
فقام عجلانَ وما تأرَّضا
أي لا يثقل ججانحاً إلى الأرض، ولكنه يخف إذا دعى، غلا أن الساهر جاء على نحو: تأثم، إذا اجتنب الإثم، وتحوب، إذا لم يرتكب الحوب، فكذلك سهر: جفا عن الأرض.
والتقدير في الإعراب: وثم ساهور، أو: في الوجود ساهور، يسل ويغمد، أي يسل القمر منه، وذلك إذا كان متجلياً غير مكسوف، ويغمد القمر فيه إذا كسف، فالتقدير: وفي الوجود ساهور، يسل منه القمر تارة، ويغمد فيه أخرى.
ويسل ويغمد في موضع رفع؛ لأنه صفة ساهور، ومنه وفيه محذوفتان، كما حذف فيه عنده، من قوله عز وجل:(يَوْماً لاّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نّفْسٍ شَيْئاً)،