فالقولُ: أنّ هذه الحروف كأنّها وضعت اختصاراً، لتنوبَ عن هذه المعانى، وتدّل عليها، ألا ترى أن الهمزة في الاستفهام قد أغنتْ عن أستفهمُ، وكذلك ما عن أنفى، فلو أعملتْ معانى الفعل في هذه المواضع، كما أعمل المعنى في كأنّ، والظّروف، لأدّى ذلك إلى نقضِ الفرض الذي وصفنا، من إرادة الاختصار، ألا ترى أن هذه الحروف لو أعملتْ، لكانت الأفعالُ كالمرادة، كما أنّها لمّا أعملتْ في الظّروف كانت مرادةً، إذا كانت مرادةً كأنّها مذكورة، وإذا كانت مذكورةً كان ذلك نقضَ الفرضِ الذي أريد من الاختصار.
فإن قلت: فهلاّ يعملُ ما في كأنّ من معنى الفعل، وفى ليتَ ولعلّ؟
فهذا كان القياس فيها، ولكنْ لمّا جئنَ على لفظ الأفعال، أعملتْ إعمالها، وإن كانت لو لم تجئ على ألفاظها لم تعملْ، ألا ترى أنّ المعنى الواحد قد تجده في كلامهم لا حكم له، فإذا انضمّ إليه معنىً آخرُ، قوّى المعنى، فحدث باجتماعها حكمُ لم يكن في الانفراد، فكذلك هذه الحروف، لمّا انضمّ إلى المعنى لفظ الفعل، عملَ بعضَ عملهِ، كما صار أحمدُ كأذهبُ.
من ذلك امّا في قولهم: أمّا زيدُ فمنطلقُ، فالذى يدلّ على تضمنّه معنى الفعل، دخول الفاءِ في جوابه.
والذى يدلّ على أنّ الفاءَ جوابُ، أنّها لا تخلو من أن تكونَ للعطفِ أو للجزاء، فلا يجوز أن تكون للعطف، لأنّها لو كانت له لم تخلُ من أن تعطف مفرداً على مفرد، أو جملةً على جملةَ، وليس في هذا الكلام واحدُ منهما، فإذا لم يكن ثبت أنّها ليست عاطفةً.
وإذا لم تكن عاطفةً، كانت للجزاء، والجزاءُ لا يكون إلاّ بفعل، أو بمعنى فعلٍ،
وليس ها هنا فعلُ، فثبتَ أنّه هنا معناه، وذلك المعنى تتضمّنه أمّا، ولم يذكرِ الفعلُ بعدها،