قال - رحمه الله -: (قال بعض العلماء: ليس شيء من المحبوبات يسْتوعب محبة القلب إلا محبة الله أوْ محبة بشر مثلك؛ أما محبة الله فهي التي خُلق لها العباد، وبها غاية سعادتهم وكمال نعيمهم؛ وأما البشر المماثل من ذكر أو أنثى فإن فيه من المشاكلة والمناسبة بين العاشق وبينه ماليس مثله بينه وبين جنس آخر من المخلوقات، ولهذا لا يُعرف في محبة شيء من المحبوبات المخالفة للمحب في الجنس ما يُزيل العقل ويُفسد الإدراك ويُوجب انقطاع الإرادة لغير ذلك المحبوب، وإنما يُعرف ذلك في محبته لجنسه) انتهى (١).
يريد ابن القيم - رحمه الله - أنه وإن كان حب المال والرياسة ونحو ذلك من المحابِّ التي يُبتلى بها أربابُ القلوبِ الفارغةِ من محبة الله عظيماً في القلوب يصرفها عن المحبة التي خلقت لها إلاّ أن محبة البشر المماثل تستحوذ على القلب وتسْتوعب محبته كلها كما قال - رحمه الله - أن قلب العاشق ليس فيه موضع لغير معشوقه كما قيل:
ما في الفؤاد لغير حبك موْضعٌ ... كلا ولا أحَدٌ سواك يَحُلّهُ
ثم قال بعد الكلام السابق: (فتستوعب قلبه، وتسلب لُبَّه، ويصير لمعشوقه سامعاً مطيعاً كما قيل:
إنَّ هواكَ الذي بقلبي ... صَيَّرني سامِعاً مُطيعاً