قال: فما ثَمَنها - رحمك الله -؟!؛ فذَكر له مالِك - رحمه الله – عبادة ربه وبعضاً من خِصال الخير يفعلها، وقال:(وترفع هِمَّتك عن دار الغفلة، فتعيش في الدنيا بعزِّ القنوع، وتأتي غداً إلى موقف الكرامة آمناً، وتنْزل غداً في الجنة مخلداً)، فقال الرجل: يا جارية .. أسمعت ما قال شيخنا هذا؟!، قالت: نعم، قال: أفَصَدَق أم كَذَب؟!، قالت: بل صدق وبَرَّ ونَصَح، قال:" فأنتِ إذاً حُرَّة لوجه الله ".
ثم تصدَّق بما تصدّق به من مالِه وقصَد لُزوم العبادة بعد اللَّهْو والغفلة حيث أثَّرَت به موعظةُ مالِك رحمه الله.
ثم قالت الجارية:" لا عيش لي بعدك مولاي! "، فودَّعهما مالك ودعا لهما، فتعبَّدا جميعاً حتى جاء الموت فنقلهما على حال العبادة - رحمة الله عليهما -) انتهى (١).
وهكذا وضَع مالِك الأمورَ موْضِعها، ومَع أنَّ هذا الوضْع شَرْعيٌّ طبيعيٌّ فهو عقليٌّ أيضاً، وهذا تلازُم لا ينفك منه ولا جزءٌ يسير من أجزاء الدِّين المتصل بأمور الدنيا، وإنما الشأن في التَّفَكُّر السليم ولزوم الصراط المستقيم، فكما ظهَر لك مِن وصْف مالك - رحمه الله - لنساء الدنيا ونساء الجنة فَمَا عليك إلا أن تسْحبَ ذَيْلَ هذا المقياس على الدنيا وما فيها والجنة وما فيها ليتجلَّى لك الفرقُ والفرقانُ، وتنقشع عن قلبك زخارفُ الخيَال وأمانيّ الشيطان.
(١) بتصرف يسير من (كتاب التوابين) لابن قدامة، ص (١٤٦).