للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا يحيى .. إني قضيتُ على نفسي أن لا يحبني عبدٌ من عبادي أعلم ذلك منه إلا كنتُ سمعه الذي يسمعُ به وبصره الذي يُبصر به ولسانه الذي يتكلم به وقلبه الذي يفهم به، فإذا كان ذلك كذلك بغضتُ إليه الاشتغال بغيري، وأدمتُ فكرته، وأسهرتُ ليله، وأظمأت نهاره ..

يا يحيى .. أنا جليسُ قلبه وغايةُ أمنيته وأمله، أهَبُ له كُلَّ يومٍ وساعةٍ فيتقرب مني وأتقرب منه .. أسمع كلامه وأجيبُ تضرعه، فوعزتي وجلالي لأبعثنَّه مبعثاً يغبطه به النبيُّون والمرسلون (١)، ثم آمُر مُنادياً يُنادي: هذا فلانٌ بن فلانٍ وليُّ اللهِ وصفيُّه وخيرتُه من خلقه .. دعاه إلى زيارته ليشفي صدرهُ من النظر إلى وجهه الكريم، فإذا جاءني رفعتُ الحجابَ فيما بيني وبينه فنظرَ إليَّ كيف شاء، وأقولُ: أبشرْ!، فوعزتي وجلالي لأشفينَّ صدرك من النظر إليَّ ولأجدِّدَنَّ كرامتك في كل يومٍ وليلةٍ وساعة؛ فإذا توجهتِ الوفودُ إليه - جلَّ جلالُه - أقبلَ عليهم فقال: أيها المتوجهون إليَّ ما ضركم ما فاتكم من الدنيا إذا كنتُ لكم حظاً، وما ضركم من عاداكم إذا كنتُ لكم سِلْماً) انتهى (٢).


(١) الغِبْطة بكسر الغين، وهي: أن تتمنى مثل حال الشخص المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه. أنظر غريب الحديث لابن الجوزي ٢/ ٢١٢، ومختار الصِّحَاح للرازي ص (١٩٦).
(٢) أخرجه أبو نعيم في الحلية، ١٠/ ٨٢.

<<  <   >  >>