للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولقد خضعت الثورة الصينية لمنطق طبيعي عندما قصدت في الحال إلى تعديل الإطار التقليدي، فمن أجل تغيير الإنسان يجب أن نغير وسطه الثقافي، بإنشاء (محيط) جديد.

ولقد انتقدوا الثورة الصينية في أنها غيرت الإنسان إلى "نملة زرقاء (١) " والواقع أنه يجب تغيير أحد طرفي التشبيه لكي نكون محقين، لأن وجه الشبه ليس بين الإنسان والنملة الزرقاء، بل هو بين النملة الزرقاء والدودة البائسة التي كانت تدب في أقذارها وأسمالها في غرز الأفيون، هنالك حيث كان يجتمع الباحثون عن النسيان، والباحثون عن الغرائب والعجائب.

(فالنملة الزرقاء) إذن ليست هدفاً، وإنما هي دليل على أن زمن الدودة الصغيرة قد ولى، ولن يلبث الصيني أن يصل إلى مستوى الإنسان على احتمال أنه لم يبلغه بعد. وفي هذه القرينة يعد ظهور (النملة الزرقاء) علامة على ثورة ثقافية، من شأنها أن تحدث تغيير (المحيط) الذي كانت تدب فيه (الدودة الصينية) وهو الذي يشكل في الواقع هذه الدودة لتصل إلى الكمال ...

إن التحقيق الذي ألمحنا إليه (٢) يصف- كما سبق أن قلنا في فصل سابق- المأساة النفسية التي يعانيها مؤلفه أمام الثورة الصينية أكثر من أن يصف الحقيقة الموضوعية في هذه الثورة. مع أن تحقيقه يقدم للقارئ معلومات نافعة حقاً، ونظرات مفيدة جداً، إذ يخيل إليه أنه أمام مناجاة عبر فيها كاتبها عن خيبة أمله، حين عبر بلغة عالم الجمال الذي يأسى لأنه يرى تلك الريشة الصلبة العنيفة أحياناً، في يد ماوتسى تونج، ترسم وجه الصين الجديدة على تلك الشاشة


(١) فرض ماوتسي تونج على الشعب الصيني لباساً أزرق لتوحيد الزي هناك، فأطلق بعض الكتاب الأوروبيين على الشعب الصيني في زيه الجديد لقب (النمل الأزرق). (المترجم)
(٢) تحقيق نشرته في باريس صحيفة ((لوموند Le monde)) في فبراير ٦ ١٩٥٦ تحت عنوان: ((ست مئة مليون من الصينيين في الدوامة الشيوعية)) بإمضاء المسيو جيلان Mr.Guillain.

<<  <   >  >>