العتيقة المهيبة، حيث كان يهوى وهو الأوروبي المتعطش إلى المشاهدات الغريبة - أن يرى الملامح النبيلة على وجه الصين القديمة، وبذلك نفهم حدة الانفعال عنده، وصيحاته التي تدوي بالبربرية ... ولكنا نتساءل إذا ما كان هذا المحقق يريد أن يتحدث ككاتب مولع بالجمال أو كمؤرخ اجتماعي؛ ... أياًّ ما كان الأمر فإن مشكلة الثقافة توضع بالنسبة إلى فكرة الأفرسيوية في الخطوط نفسها التي وضعت فيها بالصين- لا في المستوى الثانوي فحسب، بل في المستوى الابتدائي، بقصد إحداث التغيير ابتداءً من إطار جديد؟
وفي هذا المستوى تقوم مشكلة الثقافة على تحديد يشمل أساساً الناحية البيولوجية والناحية التربوية، فالثقافة في مهمتها التاريخية تقوم بالنسبة إلى الحضارة بوظيفة الدم بالنسبة إلى الكائن الحي، فالدم ينقل الكريات البيضاء والحمراء التي تصون الحرية والتوازن في الكائن، وتكون جهاز مقاومته الذاتية. والثقافة تنقل أفكار الجمهور الشعبية، وأفكار القادة الفنية، وهذان العنصران هما اللذان يغذيان عبقرية الحضارة، فهي تدين لهما بدفعتها، وبمقدرتها الخلاقة. ولكن من أين يأتي جوهر هذين العنصرين؟.
تلك هي المشكلة التربوية التي تواجهنا، فإن أي واقع اجتماعي هو في أصله قيمة ثقافية خرجت إلى حيز التنفيذ، وعليه فالجوهر الذي يوجد في الأول موجود ضرورة في الأخرى. فلو أننا حللنا واقعاً اجتماعياً، أعني نشاطاً اجتماعياً محسّاً، فسنجد فيه على الفور في حالته الراهنة أو في اطراد تطوره أربعة عناصر أساسية يمكن أن نطلق عليها: المنهج الأخلاقي، والذوق الجمالي، والصناعة، والمنطق العملي. فكل واقع اجتماعي وكل ناتج حضارة هو في جوهره مركب من هذه العناصر الأربعة.
وبالتالي، فإن مشكلة الثقافة الأفرسيوية هي من الناحية التربوية مشكلة هذا التركيب. والفكرة الأفرسيوية تتمثل عند انطلاقها في صورة هيكل مكون من