على أخطر تحد وجهته القوة لضمير الإنسانية. ولقد كان (التعايش) صورتها السياسية على محور واشنطن - موسكو، حتى كأنها شبح جديد للحمسا خارج مسقط رأسها. فالرسالة العالمية لفكرة (الأفرسيوية) تبدأ إذن في ظل هذا التحول الذي يحمل إشعاع روحها الأخلاقي إلى محور القوة. وستبدأ عملياً طريقها مع تأكيد مبدأ (الحياد) الذي التزمته الهند، تلك التي أثرت تأتيراً حاسماً على مجرى الأحداث خلال السنوات العشر الماضية، فيما يتصل باتجاه السياسة الدولية، وبالتطور الذي قاد الشعوب الآفرسيوية إلى مؤتمر باندونج أي إلى قاعدة الفكرة الأفرسيوية، وقاد محور القوة إلى مؤتمر جنيف أي قاعدة فكرة (التعايش).
ومن الوجهتين الأخلاقية والسياسية يعدّ حدوث هذين المؤتمرين امتداداً لمبدأ (عدم العنف) في صورته الأخلاقية على محور طنجة - جاكرتا، في باندونج، وتطبيقاً له على محور واشنطن - موسكو، في جنيف، في صورة سياسية. فقد سجل المبدأ إذن تطوراً مزدوجاً يهدف من ناحية إلى خلق أصول حضارة، ويهدف من ناحية أخرى إلى التقريب بين مقاييس العالم الرأسمالي والعالم الشيوعي، وربما بقي لدينا بعض الريب فيما يتصل بهذا التقريب، إذا ما لاحظنا حالة التوتر العصبي التي تعانيها الأفكار على محور القوة بتأثير (الحرب الباردة) حيث نرى أن نظرية (التعايش) لا تمثل لدى المسؤولين الرسميين، أي لدى الرجال الذين يحكمون، تنازلاً حقيقياً عن فكرة العنف، بل هي تمثل مجرد عجز بيّن عن إيجاد المبررات لاستخدام القوة. فالأمر لا يعني لدى هؤلاء المسؤولين تحولاً عن مبدئهم وإنما مجرد تغيير في التكتيك. وربما لاحظنا في هذا المجال قدراً أقل من الشك والريبة عند الجانب الشيوعي. فهم يؤمنون- بسبب اتجاه الفكر الماركسي- بحدوث التغير دائماً، لأنهم يؤمنون- كما يقال- بالتاريخ.
ولكن مقدار الشك لدى قادة الكتلتين كاف في تشويه فكرة التعايش إذ يرى البعض أنها نوع من الاتفاق على وضع استقرار يصون مصالح معينة أمام