للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الستار الحديدي وخلفه، اتفاقاً يتضمن في نظرهم علاقات الكبار وجهاً لوجه بالشعوب الأفرسيوية طبقاً لمصالح الأولين، في عالم مسير يقره هذا الاتفاق في وضع الثالوث الجغرافي السياسي، أي في صميم أزمته. وتحت هذا الشكل السطحي يفقد مفهوم التعايش تأثيره وقيمته التاريخية بفقدانه لمعناه الأخلاقي، وربما يخفي هكذا داخل غلافه المفهوم القديم لـ (مناطق النفوذ) تلك الفكرة القديمة للميثاق الاستعماري، ولكنها فريدة ومنقحة في صورة (الاستعمار المشترك) ولقد ظهر هذا الاتجاه بوضوح في قضية تسليم الأسلحة التشيكوسلوفاكية لمصر، حيث فسر هذا الحدث في بعض الأوساط على أنه خيانة لفكرة (جنيف) - كما سبق أن بينا- وربما خامرت أفكارهم نية إثارة مشكلة الشرق الأوسط من جديد، كما أوحت بذلك الصحافة بين الأسطر لولا أنهم لا يرغبون في إدخال شريك مخالف غير مرغوب فيه في قطاع هو (منطقة النفوذ الأنجلوسكسوني) في لغة الدبلوماسية في القرن التاسع عشر.

إن مافهوم (التعايش) الجامد لا يمكن أن يكون ذا تأتير فعال في العالم الذي يجتاز أزمة لا تحل- مهما كان الأمر- دون تغييرات فعلية تنافي كل جمود، ودون تحولات واقعية وعميقة في التكوينات العالمية الموروثة عن القرن التاسع عشر.

ولو لم يكن هناك سوى الخوف الذري. فمن المؤكد أن مفهوم فكرة جنيف لا تكون بهذا المضمون سوى صورة من صور الجبن الدولي، وهو أبعد شيء عن فكرة (عدم العنف) وعن وصية غاندي الروحية.

والواقع أن التعايش يتجاوز التأويل الرحسي، والتفسيرات السياسية، فإن تأثيره على الحالة العالمية لا ينبثق من هذه التفسيرات، بل من طبيعة الأشياء نفسها، وفيما يتوقع لهذه الأزمة التي يجتازها العالم يعدّ التعايش في الواقع الإمكان الوحيد لحلها. وفي هذه الصورة من التعايش الديناميكي (الإيجابي) التعايش الذي يتبع

<<  <   >  >>