على أي محور يوجد هذا البؤس في الظروف الراهنة، ونرى بالتالي أين توجد هذه (المصلحة المشتركة للقوتين الكبيرتين) تبعاً لتعبير رجل الاقتصاد، الذي التقت نظريته هكذا عرضاً بنظرية الفيلسوف على المحور الأفرسيوي.
وهكذا كانت نظرية نيماير حجر عثرة فجَّر مجموعة من الأفكار الجديدة التي أغنت الموضوع أولاً من الناحية الأدبية، وكانت في الوقت نفسه معالم مضيئة لفكرة التعايش، في مرحلتها الجديدة، وهي في طريقها إلى التحقيق العملي (١).
ولا شك في أن الاقتصادي الفرنسي الكبير لم يعدّ تأثير الاقتصاد الأفرسيوي عامل استقرار وتوفيق، بين المصالح المتضاربة، إلا بالنسبة إلى إرادة المتخاصمين على محور واشنطن - موسكو، أي إنه لم يأخذ في اعتباره، إرادة الدول صاحبة الشأن نفسها، كما يجب لكي لا نقع ثانية في السياسة البالية التي تتمثل في (مناطق النفوذ). على أنه يبدو أن القادة الأفرسيويين قد تحملوا في هذا الميدان مسؤولياتهم، بوعي كامل، مع اهتمامهم الواضح بأن ينتهزوا الفرص التي يستطيعون فيها تزكية فكرة (التعايش) في الوقت الذي يرعون فيه ضرورات التنظيم الداخلي لبلادهم. وفي حدود هذا الاهتمام، يبدو أن جمال عبد الناصر ونهرو قد رتبا سياستهما في التجهيز الصناعي بحيث يتحاشيان أن تتحول المزاحمة الاقتصادية للكتلتين إلى تحد سافر لا تحمد عواقبه.
وبهذا الاتجاه يجب أن نفسر- دون تردد- موقف مصر حين قبلت عرض البنك الدولي للإنشاء والتعمير لتمويل خزان أسوان، وموقف الهند حين شادت هيكل تصنيعها الثقيل، وتجهيزات الصلب بها على يد فنيين أمريكيين وروس
(١) في الوقت الذي نكتب فيه هذه السطور ورد نبأ من الولايات المتحدة الأمريكية يفيد بأن الحكومة الأمريكية تدرس مشروع اعتماد رصيد عالمي للمساعدة الاقتصادية والفنية للبلدان المتخلفة، تدفع فيه نسبة ٢% من الدحل الأمريكي، وتسعى روسيا إلى الاشتراك فيه. وهكذا لم تلبث أفكار رجل الاقتصاد أن تحققت في المجال السياسي لصالح فكرة التعايش (٢٥/ ٣/ ١٩٥٦م).