معهد علما الاقتصاد التطبيقى. وأيّاً ما كان الأمر، فإن الحقيقة الأفرسيوية تتدخل في مشكلة التعايش- كما نرى- روحياً، واقتصادياً، واستراتيجياً.
إن عدم العنف، والحياد، والفاقة هي- في الواقع- ثلاثة عناصر جوهرية لهذه المشكلة. وربما لا يفوت المؤرخ الهازل أن يروي- زيادة على ذلك- أن تاريخ التعايش قد احتوى- ولو قدراً- من (اللعاب) الأفرسيوي ذلك القدر الذي كتبت به عبارات (تسقط سياسة التعايش) التي كانت تغطي الحوائط في سايجون ( Saigon) عند مرور نهرو أثناء عودته من بكين ... نعم .. لم يكن هذا سوى قدر من اللعاب على الحوائط.
والمؤرخ الذي سيرويه سيضيف دون شك أن كتب هذه العبارات ليس في واقع الأمر سوى (قلم) مأجور، كما أنه يستطيع أن يكون في ظروف أخرى (بوقاً) مسخراً، وذلك ليخفي هناك خط الاستعمار، وهنا صوته ...
ولو أن لدى هذا المؤرخ بعض الخبرة عن الأدب الشعبي العربي، فربما أضاف قولهم:((الكلب ينبح، والقافلة تسير ... ))، ولكن الضمير الإنساني يجد لحسن الحظ مفسرين آخرين يعبرون كما ينبغي عن مشكلة التعايش. فمع أن قداسة البابا بيوس الثانى عشر قد أدان التعايش في صبغته السياسية، وذلك في رسالته في عيد الميلاد عام (١٩٥٥م)، وكان هذا دون ريب بسبب الصراع الداخلي الناشب في الضمير المسيحي، الحائر بين العقيدة والواقعية السياسية، فإن قداسته قد أيد المطالبة بتحريم الأسلحة الذرية والتجارب النووية، بل دافع عنها، أي عن الفكرة التي هي مدار مبدأ التعايش: فالتعايش يعني أولاً إنقاذ حياة البشرية من قيامتها، القيامة التي تنذر الجنس البشري منذ هيروشيما بسوء المصير، وهناك ظروف يجد فيها الضمير الإنساني نفسه مقهوراً متذبذباً بين (نعم) و (لا) وهي الذبذبة المحيرة أمام حالة محزنة. ولكن تحديد موقف قداسة البابا في موضع الأسلحة الذرية إنما يمثل أسعد التقاء للفكرة المسيحية، الممثلة في أعلى سلطة