للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يجب أن تحل مشكلة (الخلاص المشترك) فيما يتصل بالإنسان باستكمال سيطرة الإنسانية.

وهذا الحل الزمني يكمن في حتمية التاريخ إذ لا يقابل الخلاص إلا الفناء والعدم، وإذن فسيحقق التاريخ هذا الحل، ولكنا لو تساءلنا عن الطريقة التي سيمكنه بها أن يحققه، فسنجد أمامنا ثلاثة حلول مترابطة في الذهن: الحل الذي يصدر عن منطق الإنسان، والحل الذي يصدر عن سياسة الحكومات، والحل الذي يصدر عن حتمية التاريخ التي هي في نهاية الأمر العامل الذي يحدده ويفرضه.

والواقع أنه إذا كان للمنطق وللسياسة أن يزيفا الحل أو ينحرفا عنه، فإن التاريخ معصوم لا يخطئ ... والمشكلة هي أن نعرف ما إذا كان لهذه الحلول الثلاثة أن تلتقي في هذه اللحظة، وأن نلاحظ بقدر الإمكان نقط الاختلاف التي قد تسجل ضمناً تخلف الضمير عن التاريخ.

فهل لدى الإنسانية منطق خلاصها؟ وسياسة خلاصها أيضاً؟ .. وهل في تيار تاريخها الحالي عناصر خلاصها؟

إن المنطق إنساني ليس فقط ديكارتياً، عقلياً، متصل الحلقات، مصنوعاً، هو ليس فقط منطقاً اجتهادياً، يقوم على قضايا منطقية، منتقلاً من مقدمة إلى نتيجة، كما ينتقل عمل النساج من خيط إلى خيط. فإن له أيضاً صورته المفاجئة التي تكمن في إلهام الشاعر، وفي خط النور الصادر عن العبقري، وفي الوحي المفاجئ لإنسان يخترق بنظرة واحدة حجب الأسرار، وفي مشاهدة النبي الذي يقرأ التاريخ قبل وقوعه. وقبل أن تصبح قراءته أمراً يقدر عليه القانون.

ولقد كان للقرن العشرين رجال وجهوا ضميره وأرشدوه، وشهود كبار على مأساته، وإن إلهام هؤلاء الرجال لهو الذي يطابق المنطق الإنساني في أتم أشكاله، وفي أسمى صوره.

<<  <   >  >>