للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولقد كانت لحظة مغمة من لحظات المأساة، تلك التي اندفعت فيها قوى هتلر لغزو أوروبا، واندفعت فيها الجيوش اليابانية لغزو (آسيا الكبرى). أي تلك اللحظة التي تدفقت فيها أضخم موجة (لإرادة القوة) على العالم، ففي هذا المنعطف المظلم من التاريخ أرسل غاندي من مقر قيادته في عام (١٩٤١م) نداءه المشهور إلى اليابانيين جميعاً مندداً فيه بقسوة- نعرف معناها عنده- بالجنون الامبراطوري للمعتدين، فقد كان يرى في هذا الجنون أخطر تحد للمصير الإنساني. ولقد كان غاندي يرى في الأحداث المؤلمة التي قذفت بهذا التحدي وفي الظروف المحزنة التي تحوطه نذيراً للضمير الإنساني لكي يواجه مشكلة خلاصه. ولقد واجهها بنفسه حين توجه إلى اليابانيين قائلاً: ((لقد استسلمتم لطموحكم إلى السيطرة، ولكنكم لن تتوصلوا إلى تحقيق هذا الطموح، وربما صرتم مسؤولين عن تجزئة آسيا، فتجعلون من المستحيل- من حيث لا تدرون - أن يحدث الاتحاد العالمي، وأن تتم بين الدول أخوة من غيرها لا يمكن أن يكون للإنسانية أمل)).

وبعد انتصاراتها الصاعقة تخلت اليابان فعلاً عن جميع فتوحاتها، وبذلك لم يخطئ غاندي فيما قدره لقوة اليابان.

ولكن مأساة إمبراطورية الميكادو لم تكن هي التي تهم في نظره، فإن الذي كان يهمه- ويهمنا الآن- إنما هو المأساة الإنسانية، فلقد شعر بها في تلك اللحظات المحزنة، ولم يكن يرى أملاً للإنسانية وراء (الاتحاد العالمي).

فالمشكلة كانت إذن بالنسبة إلى ذلك الضمير السامي هي مشكلة (الخلاص المشترك)، وهكذا واجهها غاندي، وصاغ لها حلاً في النفثة من الإلهام نفسها. فهل كان هذا هو الحل المنشود ولم يكن مجرد مسكِّن أو ملطف أو وسيلة عاجلة لاجتياز بعض الصعوبات المؤقتة، ولحل بعض المشكلات الصغيرة، ولمواجهة واقع خاص ناتج عن الأزمة في حياة شعب أو أمة؟ وهل كان حقيقة

<<  <   >  >>