للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلقد تكلم الفيلسوف الانجليزي في الواقع عن ضرورة قيام حكومة عالمية ( Gouvernement Mondial) باعتبارها وسيلة نهائية لحل المأساة الإنسانية، وفي حديث خاص تفضل به إثر المؤتمر قرر أن حدوثها مسجل في التطور الحالي، وأنها تعدّ الحل الطبيعي للأزمة التي يتخبط فيها العالم.

فالفكرة- كما نرى- دخلت التاريخ تحت الإشراف السامي للفيلسوف والرجل المتدين، وكسبت حق الإمامة في الضمير وفي الذكاء الإنسانيين. إنها تتمثل في مقياس العصر، وفي ضروراته المعترف بها، وفي اتجاهه ونحن-نجدها أيضاً حتى في حلم عالم الطبيعة (روبرت أوبنهايمر Robert Oppenheimer) وفي فكرته المسيطرة عليه، حين ينظر، إلى الأشياء نظرة العالم وأستاذ الجمال معاً، فهو يرى أن مستقبل الإنسانية آيل إلى (الفوضى العالمية)، تلك التي يخشى عواقبها المبددة العبقرية الإنسانية، ولكن هذه المخاوف الصادرة عن أستاذ الجمال لا تهمنا، فهي مستوحاة من توقع خطر جديد يصدر عن برج بابل الوهمي الذي في نفس أستاذ الجمال؛ إنما يهمنا نظرة العالم، الذي يرى أن عهد العالمية قد حان مع العهد الذري، أي مع نتائج النمو الصناعي، ومع الفتوحات العلمية، التي أتاحت لطاقة الإنسان أن تسيطر سيطرة تامة على الكرة الأرضية.

أما فيما يتصل بخطر التبديد الذي يهابه، فربما كان هذا الخطر صورياً أكثر منه واقعياً. أو ليس لآثار التشتت الذي تفرضه الوقائع المادية على حياة الإنسان نظير هو الأثر المضاد الذي يتمثل في عملية استبطان يقوم بها الإنسان للدفاع عن كليته ضد ما يهددها بالتبديد من الخارج، هذا الميدان خاص بعلماء النفس.

وعلى أية حال، فإن رجل الساتياجراها، والفيلسوف وعالم الطبيعة قد وقفوا منذ ذلك الحين أمام واقع هو: (العالمية Le mondialisme)، وليست هذه فكرة، أو مجرد رغبة، أو خيالاً، أو مبدأ أخلاقياً، بل إنها تصريح لعصرنا، وغاية محتومة لتطورنا الراهن، وضرورة تفرضها الظروف الصناعية، والنفسية التي بلغها العالم.

<<  <   >  >>