للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

نفسها، تلك التي تنعدم لديها الأرضية الميتافيزيقية، تدرك هذا الواقع تماماً وتدرك فيه مدى الضرورة، لأن يتجاوز حدود نفسه كي يبلغ (ضميره الجماعي) في أعماقه.

وعموماً يعتبر هذا هو القياس الذي تتيح لنا أن نصدر على السياسة أحكاماً مطلقة، كما نصدرها على مدى تأثير الاتجاهات العقلية تبعاً لاتفاقها أو تضادها مع مجرى التاريخ، وهذا أيضاً هو القياس الذي يسمح لنا خاصة بأن نختصر بعض طرق التاريخ كي نحررها من بعض (أوزار الماضي) التي تمثل منذ ذلك الحين جزءاً متقادماً من التجربة الإنسانية، وهي التجربة التي لا يمكن أن تتكرر بالصورة نفسها دائماً مع تغير الظروف تغيراً كلياً.

وتلك هي الضرورة التي تحتم اجتياز بعض المراحل التي لا معنى لها سوى أنها تذكار تاريخي.

والواقع أنه إذا كانت العالمية قد انطلقت فجأة في منتصف القرن العشرين، فليس معنى هذا أنها لا تستمد بعض عناصرها الفكرية والاجتماعية من أصول بعيدة فإنها اتبعت فعلاً تطور النشاط الإنساني. اتبعته كتيار في باطن التاريخ، يتفجر في المكان الذي يصل فيه هذا النشاط إلى المستوى العالمي.

ولقد تفجرت هنا وهناك تلقائياً، في ميادين كثيرة تجاوز فيها النشاط نطاقه المحلي- الخاص أو القومي- فوصل إلى مستوى يعم فيه سطح الكرة الأرضية، فإذا بالعالمية تظهر بفعل امتدادها الذاتي، وهناك أنواع من النشاط كثيرة وصلت إلى هذا المستوى بسبب توسعها منذ قرن من الزمان، فهي مرتبطة بجهاز توزيع عالمي ( Standard) ينسقها، والنشاط النموذجي الذي اتبع هذا التطور هو الاتصال بين الناس لشؤونهم الخاصة.

فلقد كان نقل البريد أمراً معروفاً في القديم، حيث كان منظماً لخدمة الدول والأمراء، ولكن تنظيمه الحديث إنما يرجع في أرروبا إلى عصر هنري الثالث،

<<  <   >  >>