للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الذي أوجد في عام (١٥٧٦م) نظام (السعاة الملكيين) الذين كانوا يحملون بريد الملك.

ولكنهم كانوا يأخذون أحياناً (طرود الأفراد)، فلدينا إذن بُعد نقيس منه امتداد نشاط معين بدأ من إطاره الخاص، وهو ما يهمنا ملاحظته، يتجاوز النطاق المحلي منذ قرون، وطبيعي أنه كلما مد الفرد نشاطه، أبعد بريده في الشوط، وتزايد أيضاً حجمه أو كمه. ولقد يسرت هذا عوامل هذا النمو للإنسان- بصورة ما- (حضوراً) أو سياحة هائلة في العالم، بحيث أصبح شعاع هذا (الحضور) المتزايد مقياساً للتقدم الصناعي، أي لمقدرة الإنسان في مجالي تاريخه: مجال المكان ومجال الزمان.

ولقد تجاوز هذا الحضور أولاً الحقل المحلي في القرية، ثم المدينة ثم وصل بعد ذلك إلى المستوى القومي، ثم امتد شعاعه مع النمو الصناعي، فأصبح دولياً، وأخيراً عبر جميع الحدود فأصبح عالمياً.

ولا شك في أن تطور الوظيفة قد فرض تطوراً على الأداة، فتطور التنظيم في الاتجاه نفسه، فإن مراكز البريد في أوروبا قد صارت شيئاً فشيئاً هيئات وطنية ذات شأن، تخضع لرقابة الدول، ثم إنها بفضل عوامل التوسع نفسها قد ارتبطت أخير اً بجهاز توزيع عالمي ( Standard) تكوّن عام (١٨٧٥م) باسم (اتحاد البريد العالمي) وهو يؤمن سياحة الإنسان (العالمية).

والاتجاه إلى الارتباط بجهاز عالمي ليس قاصراً على ميدان المواصلات، إلا أن جهاز البريد يعدّ بقدر ما تلخيصاً أو مقياساً للنشاط الإنساني، فهيئة الأمم المتحدة نفسها تعد في ميدانها جهازاً عالمياً ( Standard) ترتبط به السياسات القومية المدفوعة دائماً وبالعوامل نفسها إلى اجتياز الحدود القومية.

والإنسان الآن- أكثر من ذي قبل- يرى نفسه في مستوى عالمي، وهو يفكر ويعمل في هذا المستوى في جميع الميادين، تلقائياً وطبيعياً. ولقد حتمت رسالته الثقافية بدورها- تماماً كرسالته المصلحية البسيطة- وجود (جهاز

<<  <   >  >>