محور العالم الأفرسيوي. وبسبب هذا الوضع الخاص يتمتع الإسلام بوضع القاسم المشترك مع جميع الثقافات التي تؤلف الخريطة الروحية في العالم. فهو في مركزه في البحر الأبيض يقع في قلب عالم الكتاب المقدس، الذي يتقاسم معه رسالة إبراهيم، وهو في مراكزه الآسيوية يقع في قلب عالم البهاجافادجيتا وفكرة بوذا وحكمة كونفوشيوس، وهو في إفريقية الوسطى على صلات مع النفس الإنسانية العذراء المنزهة عن أي طابع تعليمي في كامل براءتها البدائية.
ومن ناحية أخرى، فإن الإسلام في مركز العالم الحديث حيث محت الحضارة التكوينات والأوضاع الأخلاقية التقليدية، حين فرضت تكويناتها وأوضاعها الصناعية، فخلقت بذلك فراغاً روحياً هائلاً، بدأ الناس يستشعرونه في العالم المتحضر. فالإسلام إذن بسبب روابطه العديدة بالنسيج الإنساني الراهن، حيث يعد جزءا جوهرياً في السلسلة وبفضل طبيعته واتصالاته التي لا يمكن أن تكون (السد) الذي رآه فيه أوكاكورا ( Okakura)، هذا الإسلام هو- على العكس- الجسر الذي يصل ما بين الأجناس والثاقافات، فهو عامل بلورة، وعنصر جوهري إذا ما أردنا اليوم تكوين (مركب) حضارة أفرسيوية، وغداً تكوين حضارة عالمية.
ولكن في أي الظروف يستطيع هذا العالم الإسلامي أن يحقق تقديراته، وأن يترجمها إلى حلول مادية لمشكلاته الداخلية والاتصالية؛ وبعلامة الاستفهام هذه تواجهنا مشكلة المقدرة التأثيرية، فليس الأمر من بدايته أمر مبادئ أو فروض، وإنما هو أمر ترجمتها إلى وقائع وأحداث، ومن هنا يصبح من الضروري إحداث فصل جوهري بين الإسلام والعالم الإسلامي. وهذا التمييز يستدعي تمييزاً آخراً، إذ يجب أن نميز في المسلم الإنسان عن المؤمن. أي أن نفصل بين شاهد الرواية الإنسانية وبين ممثليها. ففي التاريخ يجب أن يتحول العنصر الروحي إلى عنصر اجتماعي، وفي الإطار التاريخي- أعني خارج نطاق الخلود- يعد الإسلام