(واقع المسلمين). فأي حكم على هذا الإسلام التاريخي هو بصفة جوهرية حكم على نشاط إنساني متطور خلال القرون.
والمسلم هو بكل تأكيد الإنسان الذي حمل بأقصى ما يستطيع من جهد وإلى أقصى ما يبلغ في الدنيا، من مقتضيات الايمان الديني، فهو يمثل الرجل المتدين ( Homo-religious) بمعنى الكلمة، كأنما تلك وجهته ورسالته الخاصة، ووظيفته الجوهرية في هذه الدنيا. لقد تخلى مطلقاً عن كل ما يتصل بالحياة الدنيا، ومن هنا تبدأ المأساة الزمنية الإسلامية في كل عظمتها ومظاهر بؤسها، ونحن نفهم من هذا أنهم يحكمون عليها طبقاً لمقاييس عملية- كما يحكمون في الغرب عموماً- فإنهم يوشكون أن يلصقوا عليها طابعين هما: القدرية، والتعصب.
وهكذا، فإذا كان للعالم الإسلامي عظمته الأخلاقية، فإننا ندرك من هنا مظاهر ضعفه الاجتماعية كلها. والحق أن القاعدة العامة تقول بأنه عندما ننتقل من الاعتبارات الميتافيزيقية إلى الاعتبارات الاجتماعية، فإننا نعبر حدود عالمين مختلفين. ومع ذلك فقد يحدث أن يغيب عن نظرنا هذا الانتقال الذي يفسر أشياء كثيرة، فنجد أنفسنا هكذا أمام لغز غير مفهوم، ولقد يحدث هذا حتى لفكر يقظ كفكر إقبال حين وجد نفسه أحياناً محيراً تائهاً عندما كان ينتقل من (تاريخ المسلمين) إلى جوهر (الفكر الإسلامي) فقد عبر عن دهشته في رسالة وجهها عام (١٩٢٧م) إلى المستشرق نيكلسون ( Nicholson) حين قال: ((إني مقتنع تماماً بأن فتح البلاد لم يكن من البرنامج الأساسي للإسلام، والحق أنني أعتبر من الخسارة الكبرى أن يوقف تقدم الإسلام كإيمان فاتحٍ نموَّ (أجنة) التنظيم الاجتماعي والديمقراطي والاقتصادي التي أجدها متوزعة في صفحات القرآن، وفي سنة النبي ... )).
فإقبال يرى إذن مسافة بين النظرية والتاريخ، وبين الفكرة والسلوك ولكن مما يبعث على الغرابة أنه لم يكن يظن أن هذه المسافة قد تجلت في فكرته الخاصة إذ نراه يعبر- عن غير شعور- حدود مفهوم (الأمة المسلمة) إلى مفهوم