والأمثلة على ذلك كثيرة، نذكر منها مثلاً قوله تعالى:{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا}[الإسراء: ١٧/ ٣٧]، هذا القول الذي يملي علينا وضعاً اجتماعياً. ومع ذلك فالتفسير القديم لا يفسر هذه الآية ولا يوجهها إلا في شكل خلق أخروي مع أن في هذه الآية أمراً- في صيغته القاعدية نفسها- ولكن التفسير لا ينظر إليها هكذا إلا بالنسبة إلى اهتمامات الآخرة.
فنحن نرى إذن (أجنة) أخلاق اجتماعية وقواعد للسلوك المؤثر الإيجابي تسقط في غمار الاهمال والنسيان؛ لأن العالم الإسلامي- لا الإسلام- هو الذي أهملها وأغفلها.
وكل هذا الجانب الذي يمكن أن نسميه (المنطق العملي) في الإسلام، وهو الذي يكون فصلاً كاملاً من فصول الثقافة الإسلامية، لم يتطور في حياة المسلمين. وإذن فلو أننا تحدثنا اليوم عن قدر لا بأس به في السلبية في المجتمع الإسلامي فلا محل إطلاقاً لأن نرجع سببها إلى الإسلام- كما اعتاد ذلك بعض المستشرقين- ولكن إلى تطبيقه التاريخي. وفضلاً عن هذا، فليس من موضوع هذا الفصل أن نحلل الأسباب التي تتغير مع الزمن، والتي تفسر ذلك التطبيق المختل الذي ولد- من بين ما ولد- المرحلة التي اتفق مؤلفو القرن التاسع عشر على أن يطلقوا عليها اسم (انحطاط العالم الإسلامي).
وعليه، فإذا أردنا أن نأخذ في اعتبارنا مكانة الإسلام في تركيب فكرة الأفرسيوية، زيادة على أهميته الجغرافية السياسية. فيجب أن نفرق فيما يأتي به بين العنصر الروحي والعنصر الاجتماعي. وهذه التفرقة ليست ضرورية فقط لإيضاح جوانب هذا العرض، ولفاعلية المنهج، أعني لكي يتبين لنا أين يكون (الإصلاح) ضرورياً لنقائص الجانب الاجتماعي، ولكنها ضرورية أيضاً وخاصة للحديث عن هذه النقائص مع التحرر من تلك الرعدة الرهيبة التي تعتري المسلم وتستحوذ عليه، عندما يواجه مشكلات العالم الإسلامي من زاويتها المرضيّة. فإن عقله يتهاوى غالباً أمام تلك الرعدة، فإذا به يجد نفسه مدفوعاً إلى أن