يبدو- قدراً أكثر من المضاء الاجتماعي، وليجعلوا منه آلة قادرة على أن تفصل ثوباً للعالم الإسلامي من مادة التاريخ العصية، والواقع أننا لسنا في حاجة إلى صنع الآلة، بل لصنع العامل الذي يستخدمها، ولا شك في أننا حين ننقد مظاهر ضعف هذا العامل، فإن ذلك خير وأفعل من أن نستطرد في تقريظ الآلة. ومما لا جدال فيه أن الإسلام قد احتفظ بمضائه الذي صيغت به الحضارة الإسلامية كدرة فريدة في التاريخ، ولكن المسلم هو الذي فقد استخدامه الاجتماعي. ومع ذلك فقد احتفظ بالجوهر، أي بهذا المضاء الروحي الضروري لحل عقدة العقد في العالم الراهن، حيث لا يمكن أن تحل الأزمة بوسائل القوة. فإن العالم يجب أن ينقذ في الواقع من أخطار القوة، ولكي يتم إنقاذه منها فمن الواجب أن يخط سبيله بحيث لا يغوص في أوحال السيطرة مرة أخرى.
وهنا نجد أن المنقذ هو الإسلام حيث وضع علامتين مهمتين على هذا الطريق، فلقد حدد- بصورة ما- خطورته بمبدأين أساسيين، ليؤمِّن الإنسانية ضد جميع أشكال الاضطهاد الديني والزمني، فأرسى القرآن أولاً في الضمير المسلم تحديداً جوهرياً لإرادة القوة، ولم تدع تعاليمه في هذا المجال أي لبس أو غموض كما تشير إليه الآية الكريمة:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[القصص: ٢٨/ ٨٣].
ولن يتسنى لمصدر أن يحدد أخطار (القوة) في الضمير الإنساني بصورة أوضح من هذا. ونحن نرى أن إقبال ربما استطاع حين تأمل هذا النص أن يجد فيه (جنيناً) روحياً لم يتح له أن يكتمل وينضج، إذ لا يمكننا أن ننكر أن التاريخ قد احتوى بعض مظاهر (السيطرة الإسلامية)، ومع ذلك فإن لنا أن نفرق تفرقة جوهرية بين (فكرة السيطرة) التي نصادفها- بلا جدال- في أساس (الإمبراطورية الإسلامية) و (الامبراطورية الاستعمارية الحديثة) هذه التي ذهبت إلى حد إبادة الشعوب المستعمَرة، بل ذهبت دائماً إلى أقصى الحدود المحالة للشيطنة الإنسانية ... فالدولة الإسلامية لم تلتزم مبدأها بدقة، ولكن المبدأ قد