إننا نلاحظ فعلاً سلبية فردية وجماعية تحبط المحاولات النافعة، وتحط من قيمة المقاصد والوسائل.
ولقد سبق أن وصفنا هذا الشكل السلبي في (النهضة) الإسلامية حين تحدثنا عن الميل إلى تنمية الحاجات ( Entropie) في هذا المجتمع الذي يسيء استخدام الوسائل المتاحة له. ويمكننا أن نلاحظ هذه المظاهر السلبية سائرة على قدميها في الأحداث اليومية في حياة المسلمين. ومن هذه المظاهر ذلك البون الشاسع بين (الجانب الروحي) و (الجانب الاجتماعي) خلال الحج، فالحج بكل تأكيد مناسبة يصل فيها (الجانب الروحي) إلى قمته، بينما يقدم الجانب الاجتماعي فيه صوراً نموذجية من الخلل والسلبية، وحبوط المقاصد والوسائل. فالحج إلى مكة مناسبة ينحصر اهتمام الحاج فيها- بعد أداء الشعائر- في أن يرعى صحته، فهناك إذن اختبار للمعونة الطبية والإسعاف الذي يحتاج إليه الحاج بسبب إعيائه البدني، في مناخ قد يجهده حين يختلف مع المناخ الذي عاش فيه، ولأن الأحوال الصحية خاصة تصبح ضعيفة مهما كانت الاحتياطات التي تتخذها سلطات الحج بالنسبة إلى تلك الأفواج الهائلة.
والمعونة الطبية توجد خلال هذه الحقبة في مكة والمدينة، فإذا صرفنا النظر عن تنظيم السلطات المحلية التي يجب أن نشكرها إذ تواجه كل عام حالة استثنائية، فإن هناك معونة أخرى في صورة بعثات طبية ترسلها البلاد الإسلامية، وليست تنقصنا في هذه النقطة النوايا الطيبة من جانب الحكومات، ولا الوسائل التي تضعها هذه الحكومات تحت تصرف البعثات الطبية.
ولقد أتيح لنا أن نرى شخصياً خلال الحج الأخير (١) كيف أن هذه البعثات تواجه مقتضيات الحال. ولقد رأينا طبيبين في البعثة المصرية لا يعالجان سوى مواطنيهما ... الأغنياء منهم فقط ... أما الفقراء غير القادرين فقد تركوا لقضائهم المحتوم، واضطروا للذهاب إلى البعثة الجزائرية مثلاً، فهذان الطبيبان لم