للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يكن يهمهما في الحج سوى الجانب النفعي. أما الطبيب السوري فيمكننا أن نأخذ عليه أنه كان في منى وهي المكان الصحراوي الذي لا توجد فيه صيدلية، كان يكتب لمن يقصده من الحجاح (تذكرة طبية) كأنما لدى الحاج القدرة على أن يشتريها من صيدلية في ركن قريب، أو كأنما ((التذكرة)) في حد ذاتها تعتبر الدواء اللازم. وأما البعثة العراقية فقد أقامت لنفسها ((مخيماً)) خارج مكة تماماً، وبعيداً جداً عنها، بحيث لا يستطيع من لا يملك القدرة على الذهاب في سيارة خاصة- وتلك حالة عامة- أن يذهب إليها إلا بشرط أن يكون في حال من الصحة الكاملة. فكأنما جاءت هذه البعتة عموماً لتقيم لأعضائها مخيماً بظاهر مكة.

وكان رئيس بعثة طبية أخرى لا يظهر إلا مساء، عندما يلطف الجو، على سطح القهوة.

وهكذا ترينا الظروف إلى أي حد تنحط النوايا والمحاولات والوسائل في حقل النشاط (١). وهي ترينا من ناحية أخرى المستوى الذي يحدث فيه هذا الإحباط الذي يقع في صفوف الصفوة بأوسع معاني الكلمة، بحيث تشمل مجالاً اجتماعياً يبدأ من الطبقة المثقفة التي تقود الشؤون السياسية إلى الطبقة البورجوازية التي تتولى الشؤون الاقتصادية في المجتمع الإسلامي، فكلتا الطبقتين سلبية على مذهبها وفي مجالها الخاص. فإذا انحطت قيمة الشهادة الجامعية بصورة ما من الناحية الاجتماعية لدى الطبيب فإن قيمة المال تنحط أيضاً في الإطار الاجتماعي في يد رجل الأعمال. ومئة فرنك في يد رجل الأعمال الغربي ((في حدود المعادلة الشخصية لحائزها)) لها فاعليتها الاقتصادية الكاملة، فهي تندمج-


(١) من حقنا أن نذكر المثال الشاذ الذي يؤكد القاعدة، فإن البعثة الجزائرية التي كانت مجهزة تجهيزاً كاملا بالأدوية كانت تبدي في الواقع غيرة وحمية بالنسبة لجميع الحجاج دون أدنى تفرقة بينهم بسبب المركز الاجتماعي أو القومية، وقد بذل جميع أعضائها وعلى رأسهم الدكتور عبد العزيز الخالدي أقصى ما يستطيعون من جهد.

<<  <   >  >>