للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهذا الموقف التلفيقي اللاإرادي يعرّض جهوده أحياناً للخطر، حين يحول بينها وبين أن تؤتيَ ثمراتها في الميدان الاجتماعي.

وعندما يتعلق الأمر بموقف مثقف يريد دراسة مشكلات العالم الإسلامي دراسة موضوعية فإن عقدة نفسية كهذه تعقد مجهوده، وتسيطر فكرته بحيث تموه طبيعة هذه المشكلات، ويدخل في الدراسة بعض التحريف اللاشعوري.

ونتصور لهذه الحالة ضررها البالغ عندما تصدر عن متخصص في هذه المسائل وخاصة إذا ما كان لعمله تأثير كبير على اتجاه عصره، لقد أراد أحد هؤلاء المفكرين أن يضع خطة مؤلف اختار له بحق هذا العنوان:

نحو مجتمع إسلامي متمدن

ولكنه فكر فعدل العنوان بالصورة التالية:

(نحو مجتمع إسلامي)

في هذه الحالة نرى أن العلاقة المعيبة تتدخل في صورة حرمان أدبي يفرض التعديل المذكور، ولست أعتقد أن المفكر الكبير قد اعتبر أن الكلمة المقتطعة من العنوان الأول قد حرفت المشكلة في عقله فاختلستها وخدرتها بصورة ما في ضميره، فإن العملية التي تتم في الإطار النفسي لها طبعاً نتيجة في الإطار الأدبي أنها تقطع في الواقع المشكلة الأولية عن عنصرها الجوهري، وهو البحث في شروط حضارة المجتمع الإسلامي.

فلقد استبعد المفكر المحترم إذن مشكلة العالم الإسلامي الحاسمة من بحثه حين اعتقد وحملنا على الاعتقاد بأن المجتمع الإسلامي هو على وجه التحديد (متمدن)، وهكذا نراه وقد انجرّ مرغماً تحت تأثير (حالة إخلاص) إلى موقف من المدح العقيم.

ومع ذلك فكم كان يمكنه أن يخدم المصلحة العليا في العالم الإسلامي لو أنه وقف موقفاً موضوعياً إلى النهاية معتبراً أنه يوجد فعلاً (مجتمع إسلامي)، ولكنه موجود في حال (بادرة الحضارة) وأن من الأوفق أن نواجه مشكلة حضارته.

<<  <   >  >>