للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الأولوية للقوة المجردة. والنصر السياسي الذي أحرزه (غاندي) يسجل دون شك لحظة هامة في تاريخ الهند، ولكن انتصاره الأخلاقي يعد أيضاً أكثر أهمية، فهو يسجل اللحظة المؤثرة التي أصبح فيها مبدأ (عدم العنف) قوة سياسية عالمية. وبفضل هذه القوة دخل (المستعمَر) إلى المسرح الدولي، فإن ملايين الناس يدينون بتحررهم السياسي إلى وساطة الهند،- وعلى سبيل المثال سبعون مليوناً في أندونيسيا-. إنه الرجل المستعمَر يدخل المسرح الدولي، وهو عنصر إنساني حاول المستعمرون إبقاءه حتى الآن في الظلام وراء شاشة التاريخ، ولم يسمحوا له منذ قرنين من الزمان بأن يكون على الأكثر سوى شخص من الشخوص، فهو الآن يدخل الحدث المسرحي بفكرة تغير هيئته، وتغير الوضع المسرحي نفسه.

لقد بدأ حوار جديد في التاريخ، حوار لم يكن المتحدث إلى القوة فيه قوة أخرى من نوعها، تجر العالم إلى الحرب طبقاً لسياسة (حافة الهاوية) (١) بل هو نوع جديد، ليس المتكلم فيه مسلحاً بقنابل ذرية، بل بقوانين جديدة أخلاقية وسياسية، برهن غاندي على صلاحيتها وتأتيرها.

وكان من نتائج هذا الحوار الأولي غير المتوقعة إعادة بناء الازدواج الجغرافي السياسي بطريقة غير مباشرة. لكن في غير الوضع الذي ورثه العالم عن أوضاع القرن التاسع عشر. بحيث يعيد بناءه طبقاً لخطة جديدة، في ضوء تفسير جديد. فالحضارة لم يعد محدثها شعوب معستعمرة وقفاً على الاستعمار والقابلية للاستعمار، بل إنها شعوب انتصرت على تلك العبودية المزدوجة، شعوب لم تعد ترضى بأن تستخدم فقط كقاعدة لتمثال التاريخ. بل على العكس يريد أبناؤها أن يكونوا فنانيه وملهميه.

إن دخول الشعوب الأفرسيوية على المسرح قد أعاد الازدواج الجغرافي السياسي بطريقة معينة، ولكن في الوقت نفسه أتت هذه الشعوب معها بمبدأ


(١) كلمة يعبر بها عن مغامرته السياسية.

<<  <   >  >>