تركيب للعالم؛ وبإمكانيات تعايش جديد يحمل بوضوح طابع عبقريتها. أعني الشروط الأخلاقية لحضارة لا تكون تعبيراً عن القوة أو الصناعة.
وفي هذه المرحلة، لم ترد هذه الشعوب أن تمثل الدور الثاني متعلقة بأذيال الكبار، ولكن دور أنداد أحرار في اختيار طريقهم الخاص بوسائلهم المناسبة، واقتناعهم بأن اختيارهم هذا يتيح للإنسانية فرصة جادة للهروب من الحرب. وعلى ذلك- وخاصة منذ مؤتمر باندونج- فيمكننا أن نلخص تخطيط السياسة العالمية في تيارين متميزين يمكن أن يلتقيا أخيراً. فلم يعد التاريخ يصنع في المصانع والورش الخاصة بالحضارة الصناعية.
والفصل الجديد فيه يوضع تحت عنوانين، وتعمل ميزانيته في عمودين، هما: العناصر التي يجلبها الكبار من ناحية، والعناصر التي تجلبها الشعوب الأفرسيوية من ناحية أخرى، تلك الشعوب التي ألقت قناع النسب المجهول (أبناء المستعمرات) الذي فرضه عليها القرن التاشع عشر لكي يخفي شخصيتها، وهذان العنصران المختلفان يؤديان حواراً تتتابع حلقاته في ترتيب جدلي، يتضمن أزواجاً متطابقة في اطراد تكويني تبعاً للتطور الذي حدث منذ عام (١٩٤٥م): كبار وشعوب أفرسيوية، قوة وعدم عنف، منطقة حرب ومنطقة سلام، استراتيجية التطويق والحياد، استعمار مشترك، وأفرسيوية ....
هذه الأزواج ترسم الصورة الراهنة للعالم، وتكشف عن جميع القوى التي تكيف تطوره ومستقبله. وإن جدولها ليسمح من أول وهلة ببعض الاستنتاجات عن إمكان تلاقى التيارين الذين تفسرهما، يسمح لنا على كل حال بأن نستخلص فكرة عن العقد الكبير في تداخل عوامل التاريخ منذ عشر سنوات، وعن حقائقه الأساسية التي تكون في الوقت نفسه العوامل الجوهرية في توجيه السنوات المقبلة.
والحق أننا نعرف مقدمات الحوار، ولكننا نجهل نتائجه، فالحياد الذي هو الصورة الأساسية لعدم العنف يعد إجابة على استراتيجية التطويق، ولكنه إجابة لم تفصح بعد عن جميع نتائجها الأخلاقية والسياسية.