الحقيقية التي من أجلها كان العقاب رادعاً، نطق به زاهدي دون شك عن طريق محكمة هزلية. ولكنا نعلم أي نصيب حاسم أسهمت به تلك (النوادي الرياضية) التي كانت في الواقع عصابات في طهران، أو مخلب قط للمخابرات الأمريكية. ولئن كانت الدبلوماسية نشيطة جداً خلال تلك الأحداث الأليمة، فإن صحافة الاستعمار المشترك لم تقف مكتوفة الأيدي، فلقد كانت وكالاتها تشيع في العالم أن سفر الفنيين الذين كانت تستخدمهم شركة الزيت الإيراني قد شل حياة عبدان، بينما نظم اتحاد البترول ((الترست)) في العالم إضراباً عن شراء البترول الإيراني منذ استولى الإيرانيون على امتيازه، مع أن عبدان في الواقع لم تشل بسبب رحيل الفنيين الأجانب، بل لأن مستودعاتها قد فاضت بالبترول، ولهذا فقد لزم توقف الانتاج لانعدام وسائل النقل، ولانعدام سوق تصريفه كما أوضح جورجيس هليوس ( Gorges Heliose) ، فنحن نجد إذن مرة أخرى الأسلوب نفسه، والسلوك التقليدي الأخلاقي والاقتصادي للامتيازات الاستعمارية نفسه، فالاستعمار لا يسلب الرجل المستعمَر حريته، أو ثروته المادية فحسب، بل إنه يلطخ شرفه، ويشوه سمعته من جميع الوجوه.
وفضلاً عن ذلك فمنذ أصبح البترول الثروة الجوهرية في اقتصاد كثير من البلاد الإسلامية، وهذه الصحافة تشن حملتها بانتظام للتشنيع مستغلة في ذلك الظروف المختلفة.
ففي اللحظة التي ثارت فيها قضية تزويد مصر بالأسلحة التشيكية، انتهز أحد المحررين الفرصة ليلوم الأمريكان على أن ضميرهم لا يرتاب ((عندما تصب شركات البترول في جيوب الحكام الاقطاعيين في البلاد العربية ملايين الدولارات التي تحمي نظاماً منحطاً)) (١).
(١) الإشارة هنا تتوجه بوضوح إلى العربية السعودية، والواقع أن رسوم استخراج البترول لم يسأ استخدامها في هذا البلد من أجل الصالح العام. كما بينا ذلك في مقالة طلبتها منا مجلة أسبوعية تونسية، ولكن يجب أن نقول: إن الصحيفة لم تنشر ما يتعلق بهذا الموضوع في مقالته، وبرهنت هكذا على أن الاستعمار يراقب ما يكتب في الموضوع حتى في صحيفة (وطنية) تونسية.