فكان من المستحيل أن تختار لنفسها خارج هذا الزوج المتنافر الذي تفرضه حالة عالمية تمر خطوطها السياسية بمركزين هما واشنطن وموسكو، وكان يجب أن تمر بهما جميع خطوط التطور الإنساني.
هذه الحتمية قد فات أوانها، فلقد فتحت باندونج باباً ثالثاً للشعوب الأفرسيوية. ويصدق هذا أيضاً بالنسبة إلى العالم أجمع بقدر ما يتخلص من حتمية الحرب.
على أنه يبدو أن عالم الكبار قد سجل فعلاً بمؤتمر جنيف اتجاهاً معيناً لأن يلتزم هذا التوجيه السلمي الذي قررت باندونج مغزاه وهدفه، فهناك كثير من نقط التلاقي بين المؤتمرين، ولكن لم يكن هناك اتفاق بين مواضيعهما على طول الخط.
وكما سبقت ملاحظته ربما أمكننا أن نذكر كثيراً من نقط الاختلاف في توجيههما الخاص. فمؤتمر جنيف الذي وضع نظرياً نهاية الحرب الباردة. لم يعدل جميع النتائج النفسية والسياسية لفترة ما بعد الحرب، في علاقات الشعوب الأفرسيوية بالكبار. وفكرة جنيف خاصة لم تضع نهاية لما نسميه ((بالاستعمار المشترك)) بل إنها فقط حاولت تغيير مكانه في التخطيط الجديد للعلاقات بين المحورين.
ففي التخطيط السابق كان وضعه معروفاً بالزوج (حرب باردة- استعمار مشترك)، ذلك الزوج الذي يصور العلاقة السببية بين الطرفين، فلم يلغ مؤتمر جنيف هذه العلاقة التبعية، بل إنه قد غير مكانها فحسب، بحي نرى كأنه يريد ضمها في زوج جديد.
فمشكلة تزويد مصر بالأسلحة التشيكية قد أفسحت المجال لتفسير صريح في هذا السبيل، فقد أعطت التعليقات التي أوحت بها في الصحف، وفي خطب الرسميين لفكرة جنيف تفسيراً يستحق الاهتمام.