وإلى يومنا هذا، فحفظوا لفظه، وفهموا معناه، واستقاموا على العمل به، وأفنوا أعمارهم في البحث فيه، والكشف عن أسراره، ولم يدعوا درة من درره إلا وغاصوا لإخراجها، فألفوا في ذلك المؤلفات القيمة، فمنهم من ألف في تفسيره، ومنهم من ألف في رسمه وقراءته، ومنهم من ألف في محكمه ومتشابهه، ومنهم من ألف في مكيه ومدنيه، ومنهم من ألف في جمعه وتدوينه في الرقاع واللخاف والأكتاف، ثم في المصاحف، ومنهم من ألف في استنباط الأحكام منه. ومنهم من ألف في ناسخه ومنسوخه، ومنهم من ألف في أسباب نزوله، ومنهم من ألف في إعجازه، ومنهم من ألف في مجازه، ومنهم من ألف في أمثاله، ومنهم من ألف في أقسامه، ومنهم من ألف في غريبه، ومنهم من ألف في إعرابه، ومنهم من ألف في قصصه، ومنهم من ألف في تناسب آياته وسوره.
وقد تبارى علماؤنا في هذا المضمار الفسيح، حتى زخرت المكتبة الإسلامية بميراث مجيد من تراث سلفنا الصالح، وعلمائنا الأعلام، وكانت هذه الثروة- ولا تزال- مفخرة نتحدى بها أمم الأرض، ونباهي بها أهل الملل في كل عصر ومصر.
وأضحت هذه العناية بحق أروع مظهر عرفه التاريخ لحراسة كتاب الله، الذي هو بحق سيد الكتب وأجلها، وأبعدها عن التحريف والتغيير، وبذلك هيأ الله الأسباب الكثيرة لحفظ كتابه، وهذا مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩)«١».
وقد بذلت جلّ اهتمامي في هذا البحث على دراسة المرويات التي تتعلق بكتابة القرآن وجمعه، وكذلك دراسة الروايات التي يساء فهمها في صحة نقل القرآن والرد على من حرف بزيادة أو نقصان، وقد اجتمع لديّ مائة رواية مع