الحمد لله الذي أنعم عليّ بالتوفيق لإكمال هذه الأطروحة (جمع القرآن دراسة تحليلية لمروياته)، وقد توصلت إلى عدة حقائق ونتائج، أهمها:
أولا: القرآن الكريم معجزة أبدية للنبي صلى الله عليه وسلم ومنهاج، إذ كل رسول مؤيد بمعجزة ومنهاج، فمعجزة موسى العصا، ومنهاجه التوراة، ومعجزة عيسى إحياء الموتى بإذن الله، ومنهاجه الإنجيل، إلا الرسول صلى الله عليه وسلم كانت معجزته عين منهاجه، وهو القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فبهذا تكون المعجزة مودعة في المنهاج ويظل المنهاج محروسا بالمعجزة.
ثانيا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستنسخ أو يطبع نسخا كثيرة من القرآن الكريم، وإنما طبع مئات بل ألوف من نسخ القرآن الكريم، ولكن على صفحات القلوب بكلمات من نور الوحي، فأخرج جيلا قرآنيا فريدا بعقيدته وشريعته وأخلاقه وآدابه.
ثالثا: لقد حرص المعلم المربي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة- مرحلة بدء الدعوة- على توحيد مصدر التلقي وتفرده، ألا وهو القرآن العظيم، فكان الصحابة يتلقون القرآن العظيم في مدرسة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وينصرف أحدهم بزاد حصيلته بضع آيات من القرآن نزل بها روح القدس على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكانت كفيلة أن تنشئ هذا الجيل القرآني الفريد الذي ينزع بهذه الآيات كل أوطار الجاهلية وعقائدها وقيمها، وتنسكب في قلبه المعاني الآتية من الله رب العالمين.
رابعا: ظهور ذلك الجيل القرآني الفريد لم يكن فلتة عابرة، ولا مصادفة عمياء، ولم يأت من فراغ، وإنما ثمرة جهد نبوي طويل دام أكثر من عشرين عاما في البناء، ومن أسرار ظهوره حسن التلقي للقرآن الكريم، إذ كانوا يتلونه بروح المعرفة المنشئة للعمل، وبشعور التلقي للتنفيذ.