للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحدة، وإحراق المصاحف الأخرى، قال الإمام النووي: (إن ابن مسعود كان مصحفه يخالف مصحف الجمهور، وكانت مصاحف أصحابه كمصحفه، فأنكر عليه الناس وأمروه بترك مصحفه، وبموافقة مصحف الجمهور وطلبوا مصحفه ليحرقوه كما فعلوا بغيره فامتنع وقال لأصحابه: غلوا مصاحفكم، أي اكتموها، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة، يعني فإذا غللتموها جئتم بها يوم القيامة، وكفى لكم بذلك شرفا، ثم قال على سبيل الإنكار ومن هو الذي تأمرونني أن آخذ بقراءته وأترك مصحفي الذي أخذته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ولو أعلم أن أحدا أعلم مني لرحلت إليه) «١».

وقد بينا في المبحث الأول من هذا الفصل بأن ابن مسعود رضي الله عنه قد عرف بعد زوال الغضب عنه حسن اختيار عثمان ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم جميعا، فترك الخلاف وبقي على موافقتهم.

ويدل هذا الحديث أيضا على جواز ذكر الإنسان نفسه بالفضيلة والعلم ونحوه للحاجة وتحصيل مصلحة للناس، فمن المصلحة قول يوسف عليه الصلاة والسلام: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ «٢»، ومن دفع الشر قول عثمان رضي الله عنه وقت حصاره: (إنه جهز جيش العسرة وحفر بئر رومة) «٣»، ومن الترغيب قول ابن مسعود هذا، وأن الصحابة لم ينكروا عليه، والمراد أعلمهم بكتاب الله، فلا يلزم أن يكون أعلم من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، ولا يلزم أن يكون أفضل منهم عند الله، ولكن ذكرهم


(١) شرح النووي لصحيح مسلم: ١٦/ ١٦.
(٢) سورة يوسف، الآية (٥٥).
(٣) ينظر: صحيح البخاري، باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه: ٣/ ١٣٥١. ونص الحديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يحفر بئر رومة فله الجنة، فحفرها عثمان، وقال صلى الله عليه
وسلم: من جهز جيش العسرة فله الجنة، فجهزه عثمان).

<<  <   >  >>