للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كتابته، ولذلك اختلفت خطوط المصاحف، فمنهم من كان يكتب الكلمة على مخرج اللفظ، ومنهم من كان يزيد وينقص لعلمه بأن ذلك اصطلاح، وأن الناس لا يخفى عليهم الحال .. وأن الخطوط إنما هي علامات ورسوم تجري مجرى الإشارات والرموز، فكل رسم دال على الكلمة معيد لوجه قراءتها تجب صحته وتصويب الكاتب به على أي صورة كانت .. وبالجملة، فكل من ادعى أنه يجب على الناس رسم مخصوص وجب عليه أن يقيم الحجة على دعواه. وأنى له ذلك) «١».

ويميل الزركشي إلى ما يفهم من كلام العز بن عبد السلام من أنه يجوز بل يجب كتابة المصحف الآن لعامة الناس على الاصطلاحات المعروفة الشائعة عندهم، ولا تجوز كتابته لهم بالرسم العثماني الأول لئلا يوقع في تغيير الجهال، ولكن يجب في الوقت نفسه المحافظة على الرسم العثماني كأثر من الآثار النفيسة الموروثة عن سلفنا الصالح، فلا يهمل مراعاة لجهل الجاهلين، بل يبقى في أيدي العارفين الذين لا تخلو منهم الأرض «٢».

وقال الزركشي معقبا على قول الإمام مالك عند ما سئل: (هل يكتب المصحف على ما أحدث الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى)، قال- أي الزركشي-: (وهذا كان في الصدر الأول والعلم حي غض، وأما الآن فقد يخشى الإلباس، ولهذا قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسوم الأولى باصطلاح الأئمة، لئلا يوقع في تغيير من الجهال، ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه، لئلا يؤدي إلى درس العلم،


(١) ينظر: مباحث في علوم القرآن، د. مناع القطان: ١٤٨ - ١٤٩، نقلا عن كتاب الانتصار للباقلاني.
(٢) ينظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي: ١/ ٣٧٩؛ وينظر: مناهل العرفان: ١/ ٣٨٥.

<<  <   >  >>