للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب قول الله: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه)

قال رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:٨٥].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تجيء الأعمال يوم القيامة، فتجيء الصلاة، فتقول: يا رب! أنا الصلاة، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الصدقة، فتقول: يا رب! أنا الصدقة، فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الصيام، فيقول: يا رب! أنا الصيام، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال على ذلك، فيقول: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام، فيقول: يا رب! أنت السلام، وأنا الإسلام، فيقول: إنك على خير، بك اليوم آخذ وبك أُعطي، قال الله تعالى في كتابه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥]) رواه أحمد.

وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ورواه أحمد].

هنا قرر الشيخ نتيجة أخرى وهي من لوازم ما سبق، وهذه النتيجة هي أنه لا يصح قبول أعمال العباد ولا رضا الله عز وجل عن أعمال العباد إلا بشرط صحة الإسلام، وليس دعوى الإسلام، وإنما بشرط أن يكون الإسلام صحيحاً، ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق صحة الإسلام شرطاً لصحة جميع الأعمال، فلذلك حينما جاءت الصلاة تريد أن تكون هي المعوّل في القبول عند الله عز وجل والرضا، وكذلك جاء الصيام، وجاءت الصدقة، وجاءت أعمال البر، فجعل الله عز وجل قبول هذه الأعمال وكونها هي الرأس في أعمال الجوارح أو أعمال القلوب أن ذلك راجع كله إلى صحة الإسلام، فهذه الأعمال من أعمال الإسلام، فلا تصح إلا إذا صح أصلها.

وأيضاً فإن المقصود بالإسلام هو المعنى الشرعي لا الإسلام العام بمعناه اللغوي، والمقصود به أيضاً الدين الذي أرسله الله لجميع الرسل، ثم بعد ختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم صار الدين الذي لا يبتغي الله من العباد غيره هو هذا الإسلام الخاص، فلذلك لا يصح عمل إنسان إلا بصحة إسلامه، ولا يصح دين من الأديان بعد ظهور الإسلام، فالإسلام هو المهيمن، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يرجع إلى أن كل الأعمال مردها إلى أمر الله عز وجل الذي هو شرعه، فما لم تكن الأعمال مرتبطة بما شرعه الله وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم فهي مردودة، وهذا يشمل الدين كله من باب الضرورة، فلا بد أن يكون الدين كله بناء على ما أمر الله به وأخبر وشرع، سواء أصول الإيمان أو أصول الإسلام، أو ما يتفرع عنهما من بقية فرائض الدين في العقيدة والأحكام كل ذلك الأصل فيه أن الله عز وجل لا يقبل من أعمال العباد ولا من أفعالهم القلبية ولا أعمال الجوارح إلا ما تدينوا به لله عز وجل على شرع الله الذي هو هذا الدين؛ ولذلك لا بد من استحضار عدة معانٍ في هذا المجال وهي: المعنى الأول: كمال الدين، وعلى هذا فلا يجوز لأحد أن يدّعي أن الناس بحاجة إلى أي أمر يقررونه في العقيدة أو الأحكام دون مصادر الدين الأصلية.

المعنى الثاني: أن هذا الدين باقٍ وظاهر إلى قيام الساعة، فلا يجوز لأحد أن يدّعي أن هناك من أمور الدين وأصوله ما اندثر أو يحتاج إلى أن يبدّل، وقد تخفى بعض السنن لكن لا تخفى على عموم الأمة؛ لأنه لا تزال طائفة من الأمة على الحق جملة وتفصيلاً.

المعنى الثالث: أنه لا يسوغ لأحد أن يدّعي أن الدين هو نصوص الكتاب والسنة؛ لأن النصوص لا تصح بدون تفسيرها، وتفسيرها هو عمل النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل الصحابة وعمل التابعين وأئمة الهدى وذلك سبيل المؤمنين الذي توعد الله من خالفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>