للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصراط المستقيم هو الإسلام]

أما قول أبي العالية: (تعلموا الإسلام فإذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم فإنه الإسلام) كلمة الإسلام يقصد بها في الأولى السنة وقصد بالثانية الإسلام بمفهومه العام.

ولا يعني ذلك أنه حصر الإسلام بمفهومه العام بالسنة، لكنه حصر الحق النقي من البدع والشوائب بالسنة؛ لأنه في سياق هذه النصوص أراد أن يشير إلى أنه عند الاختلاف والفتن وعند الأهواء والبدع ودعاة الضلالة فإن الإسلام الحقيقي الذي أمر الله به يتمثل بالسنة؛ لأن من لم يكونوا على السنة أدخلوا في الإسلام ما ليس منه، وزعموا أنه من الإسلام، فليس هذا هو الإسلام المطلوب وإن كان المخالف بما أحدثه لا يخرج به من الإسلام بالجملة إلى الردة، لكنه يخرج به من المفهوم الصحيح النقي للإسلام الذي هو الصراط المستقيم.

ثم قال: (ولا تنحرفوا عن الصراط يميناً ولا شمالاً وعليكم بسنة نبيكم وإياكم وهذه الأهواء) انتهى.

ثم ذكر استنتاجاً من كلام أبي العالية قال: (وتأمل كلام أبي العالية هذا وما أجله واعرف زمانه الذي يحذر فيه من الأهواء)، فإنه يلفت نظرنا إلى المقارنة فكأنه يقول: إذا كان أبو العالية ذكر هذا في وقت مبكر وأبو العالية من كبار التابعين في وقت مبكر في القرن الأول، فكيف بعصرنا هذا المليء بالأهواء والتي من اتبعها فقد رغب عن الإسلام.

وتفسير الإسلام هنا هو السنة.

والشيخ يقول: إنه لما بدأت تظهر الأهواء في عهد أبي العالية فسر الإسلام المطلوب شرعاً بالسنة؛ لأن الأهواء حدثت وكل يدعي الإسلام، فلابد من حصر المفهوم الحقيقي الشرعي للإسلام النقي المطلوب من العباد بالسنة، أما ما حدث من أهل الأهواء والبدع فليس هو الإسلام بمفهومه النقي الصحيح وخوفه على أعلام التابعين وعلمائهم من الخروج عن السنة والكتاب، يتبين لك معنى قوله: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ} [البقرة:١٣١] أي: لإبراهيم.

ثم ذكر وصية ابن مسعود (أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطاً، ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال: هذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، وقرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:١٥٣]) وفي هذا بيان لمعنى السنة، وأن السنة لا تتعدد، وفيه رد على أهل الأهواء قديماً وحديثاً والمفتونين الذين لم يميزوا بين الحق والباطل ولا بين المحق من المبطل، رد عليهم بأنه ليس كل من انتسب للإسلام يكون على سبيل الله، وأن أهل الأهواء والبدع خرجوا عن السبيل التي هي سبيل الله، وأنهم اتبعوا السبل ذات اليمين وذات الشمال، وهذا إشارة إلى الإفراط والتفريط، فالذين غلوا والذين تساهلوا، كغلو الخوارج وتساهل المرجئة هؤلاء سلكوا ذات اليمين، وهؤلاء سلكوا ذات الشمال عن صراط الله المستقيم.

إذاً: فسبيل الله الذي هو دين الحق الصافي هو سبيل واحدة، والفرق التي خرجت عن السنة من فرق المسلمين ليست على سبيل الله إنما هي على سبل الأهواء والبدع وعلى سبل الشيطان حتى وإن لم تخرج بذلك من الملة، وهذا الفهم لابد من بثه بين أذهان الناس اليوم؛ لأن بعض شبابنا فتن في هذه المسألة بدعوى أن أهل الأهواء ما داموا ما خرجوا؛ فهم على الإسلام، وهذا كلام مجمل، نعم هم على الإسلام لكن هل هم على ما يرضي الله عز وجل؟ هل هم على سبيل الله؟ هل هم على السنة؟ لأنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الافتراق ذكر أن أهل الافتراق متوعدون بالنار، وحذر من هذه السبل، وبين أنها ليست على السنة، وأن السبيل الحق واحدة كما ذكر في حديث ابن مسعود في الخط واحدة، فمن هنا نجزم أنه لا يبقى على الحق والاستقامة إلا أهل السنة والجماعة الذين هم على سبيل الله، أما البقية فهم على غير السنة، وعلى غير استقامة، وفي سبل الشيطان، نسأل الله السلامة والعافية، وهم معرضون للوعيد وإن خرجوا من الملة، فهم من أهل الردة نسأل الله العافية.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>