حرمة الانتساب إلى غير الإسلام تديناً واعتقاداً
ثم ذكر ما جاء في الخروج عن دعوى الإسلام ليبين أن الإسلام بكماله لا يحتاج الناس إلى أن ينتسبوا إلى غيره بأي نوع من الانتساب، ولا أن يستمدوا من غيرهم أي نوع من الاستمداد، ولا أن يحدثوا من أنفسهم شيئاً يزعمون أنه من الدين، فإن هذا كله خروج عن دعوى الإسلام، فذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن) ثم ذكر: (السمع والطاعة) أي: لولاة الأمر، ولمن ولاه الله أمر المسلمين، والسمع والطاعة إنما هو في المعروف.
ثم الجهاد وهو ذروة سنام الإسلام، وهو من مباني هذا الدين والجهاد باقٍ وماضٍ إلى يوم القيامة وليس من الشعائر التي انتهت كما يزعم كثير من المفتونين والجاهلين والمنهزمين الذين زعموا أن الجهاد مرحلة لم يعد لها تشريع الآن ولا مبرر، وهذا خلاف مقتضى قطعيات النصوص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بالإجمال والتفصيل أن الجهاد باقٍ إلى قيام الساعة، وأن المسلمين سيجاهدون حتى أثناء قيام أشراط الساعة الكبرى، فيجاهدون الدجال وشيعة الدجال، ويجاهدون أهل الباطل حتى مع قيام علامات الساعة الكبرى، والمؤمنون والمسلمون أهل السنة لا يضرهم ولا يثنيهم قيام علامات الساعة الكبرى عن إقامة شرع الله ودينه ولا الجهاد.
وكذلك الهجرة إذا جاء مقتضاها، وقد اختلف العلماء في الهجرة هل هي باقية أو انتهت؟ والصحيح أن الهجرة باقية إذا وجد مقتضاها بشروطها التي يعرفها الراسخون في العلم.
والجماعة: هي اجتماع المسلمين على الحق والسنة، وهي من ضرورات الإسلام، فلا دين إلا بجماعة، ولا يتحقق الدين الأكمل كما رضيه الله عز وجل للأمة إلا بالجماعة، وهذا لعموم الأمة، ولا يستثنى من ذلك إلا حالات الضرورة للأفراد لا للمجموعة كما ورد في حديث الفتن.
وقوله: (فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع) فهذا من نصوص الوعيد، بمعنى أنه يخرج من مقتضى كمال الإسلام ومتطلبات الإسلام، والخروج عن الجماعة قد يقتضي الردة إذا تضمن أمراً من الأمور التي فيها ردة علمية أو عملية وأحياناً لا يقتضي الردة وهو الغالب، فإن مفارقة الجماعة قد تكون بالعصيان، وقد تكون بالتمرد، وقد تكون بالخروج، وقد تكون بتبني آراء خارجة عن آراء الجماعة كالعقيدة ونحوها، أو بالبدع ونحو ذلك كل ذلك يعد خروجاً عن الجماعة، لكن لا يقتضي الخروج من الملة إلا في حالات قليلة.
وقوله: (ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثي جهنم) يعني: من أهلها أو من حطبها (فقال رجل: يا رسول الله! وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين عباد الله) فدعوى المسلم هو أن يدّعي الانتساب لهذا الإسلام ولدين الله عز وجل، ويعتز بإيمانه بالله، ولا ينتسب إلا إلى جماعة المسلمين، إلى أهل السنة والجماعة.
ثم ذكر الحديث وهو في الصحيح: (من فارق الجماعة شبراً فميتته جاهلية)، وهو عندي مختصر ويبدو أن عندي كلمات ساقطة، وفيه: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟).
قال أبو العباس بن تيمية: (كل ما خرج عن دعوى الإسلام والقرآن) ويقصد بذلك دعوى السنة والجماعة (من نسب) يعني: من انتسب إلى نسبه أو قبيلته وذويه، وجعل ذلك شعاراً له يتدين به، فهذه دعوى جاهلية، أو انتسب إلى شخص وجعله هو معقد الولاء والبراء كمتعصبة المذاهب، وجعله معقد الولاء والبراء يوالي ويعادي على هذا الشخص، فهذا نوع من الانتساب، فهو من الجاهلية، أو بلد، وهو كذلك وهذا مما بدأ يظهر بين المسلمين، حيث بدأ كثير من المسلمين ينتسب إلى البلد ويعتز به، وإلى الوطن ويعتز به اعتزازاً دينياً، وهذا خلط عند الناس، لأن هناك فرقاً بين الانتماء للبلد من حيث الانتساب له؛ لأنه من أهله وساكنيه، وبين خدمة البلد خدمة تؤدي إلى نصر دين الله عز وجل والتكافل بين المجتمع كما أمر الله، وبين العصبية التي تؤدي إلى المعاداة والموالاة على هذا البلد، أو التي تؤدي إلى تقديس الوطن فهذا من الجاهلية التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
(أو جنس) كذلك الجنس يرجع إلى جنس النسب أو إلى جنس الأفكار أو المذاهب أو الأقوال أو غير ذلك، لكن الغالب أن الجنس يقصد به القبيلة أو العجم أو العرب ونحو ذلك، أو مذاهب سواء كانت فقهية أو عقدية أو فكرية أو سياسية أو غيرها، أو طريقة كالطرق الصوفية، أو المناهج الخاصة للأفراد وللجماعات وللأشخاص، كل ذلك من عزاء الجاهلية، ويدخل في هذا ما يقع فيه كثير من المسلمين من الانتماءات والتحزبات والجماعات التي يكون لها ولاء وبراء وتفضل عليها غيرها من بقية المسلمين أو تحصر السنة بنفسها، أو تحصر الحق بنفسها وللمنتمين إليها، أو يكون للمنتمين إليها خصائص يختصون بها أو يتميزون عن غيرهم، كما هو حاصل في كثير من فئات المنتسبين للدعوات في عصرنا هذا، فإن هذا من عزاء الجاهلية، بل ويدخل في دعاوى الجاهلية والعزاء ا